فيفا 2018: الحقوق الرقمية أخيراً أصبحت قابلة للعب والمفاوضة

من المفارقات أن تعارض حقوق الإنسان مع التكنولوجيا في الأحداث الضخمة عادة ما يكونوا في ساحة غير إليكترونية مثل الانتخابات والكوارث الطبيعية والمظاهرات السياسية. ولكن في حالة وجود خلل أو اضطراب ما بين الأنظمة والأفراد، يصبح النفاذ إلى المعلومات ذي أهمية بالغة يتوقف عليها انقاذ حياة الأفراد وتحديد مسارات الأمم وخطواتها نحو المستقبل.  

 وبالرغم من أن تلك الأحداث الكبرى مثل الألعاب الأولمبية وكأس العالم محورها الأساسي هو مآثر الإنسان من قوة وقدرة على التحمل، إلا أنها تثير تساؤلات مماثلة حول الحقوق الرقمية. فباقتراب كأس العالم روسيا 2018، حان الوقت لضم قضية حماية حقوق الإنسان ضمن الأحداث الكبرى إلى ساحة النقاش الرقمي.

ومثال للتوضيح، عادة ما تضاعف القوات الأمنية من قدرتها على المراقبة قبل مثل تلك الأحداث الكبرى، تاركة أثراً مستمراً على حقوق الإنسان الخاصة بالحاضرين من الجمهور واللاعبين والمجتمع بأكمله على نطاق أوسع حتى بعد انتهاء المباريات بفترات طويلة.

كما تقدم مثل تلك الأحداث الكبرى فرص ذهبية للصحفيين بالبحث والتقصي بصورة أعمق في ظروف البلد المضيف من أوجه عدم المساواة والفساد وغيرها من القضايا الأخرى الحساسة والخاصة بالنخبة. فمع تقلص أعداد مصادر الإعلام التقليدي، عدد الصحفيين ورجال الإعلام المعتمدين على شبكة الإنترنت لفتح باب حوار ونقاش حر ومفتوح أصبح في تزايد مستمر. ولكن قرارات إغلاق القنوات والشبكات بأمر الحكومة والاعتقالات والرقابة المفروضة على المدونين والمحتجين ومخالفات حيادية الشبكات جميعها عوامل تعيق القدرة على النفاذ إلى المعلومات وتضر بالتعبير الحر وتكوين الجمعيات أثناء مثل تلك الأحداث الكبرى.

علاوة على هذا، كمنظمة خاصة ومستقلة، تتحمل الفيفا مسؤولية والتزاماً باحترام حقوق الإنسان ومنع الإساءات والحد منها. فبعد فضائح مدوية تخص قضايا الفساد وانتهاكات حقوق العمالة وغيرها من مخالفات حقوق الإنسان من بينهم الحق في السكن في أبريل 2016، قامت الفيفا بمراجعة نظامها الأساسي لتؤكد على التزام المنظمة بجميع حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً وفتحت باب عرض اقتراحات حقوق الإنسان لكأس العالم 2026.

كجزء من اقتراح الولايات المتحدة لكأس العالم 2026 – لجنة الاقتراحات أشركت منظمة أكسس ناو وغيرها من منظمات حقوق الإنسان في مشاورات مع أصحاب المصلحة لوضع "الاستراتيجية الموحدة لحقوق الإنسان". وتم إرسال هذه الوثيقة إلى منظمة الفيفا مرفق معها اقتراحات تخص البيئة والإدارة، بالإضافة إلى تقرير مستقل، وقد قررت الفيفا ألا تقوم بنشر تلك الاقتراحات، إلا أن الولايات المتحدة قامت بنشر "مشروع يونايتد 2026".

ويشير المشروع إلى العديد من المخاطر والتهديدات التي تفرضها تلك الأحداث الكبرى على الحقوق الرقمية، وتضع خطوطاً حمراء وخط لاحترام الخصوصية وحرية التعبير وحرية التجمع إلكترونياً وخارج شبكة الإنترنت على السواء.

ويعترف مشروع يونايتد 2026 بما يصاحب تلك الأحداث الرياضية الكبرى من رفع مستوى المراقبة، بل ويوضح أن انتهاك الخصوصية يبدأ من الحدود العابرة. فخلال الألعاب الأولمبية شتاء 2014 في سوشي على سبيل المثال، وصلت مستويات المراقبة مستويات غير مسبوقة، حتى قامت الحكومة الأمريكية بتحذير الأفراد المسافرين إلى سوشي بألا يتوقعوا التمتع بأي حقوق للخصوصية.

إلى جانب كل هذا، فهناك أساليب المراقبة التكنولوجية الحديثة التي يتم شرائها تحسباً للأحداث الرياضية الكبرى والتي عادة ما يتم استخدامها بعد تتويج تلك الألعاب وانتهائها. مثال على هذا، من ضمن التحضيرات للألعاب الأولمبية، قامت الحكومة البرازيلية بإنفاق 8 مليون دولار على بالونات مراقبة لمتابعة وبث حالة المرور بشكل مباشر، امتد نطاق المراقبة على مسافة 160 كم مربع تقريباً. والمكسيك أيضاً، وهي واحدة من أكبر عملاء الشركات الخاصة المتخصصة في تكنولوجيا المراقبة على مستوى العالم. بالإضافة على هذا، فالصحفيون بشكل خاص هم الأكثر عرضة ومعاناة من الوجه القمعي للمراقبة، وكما أوضح التقرير المستقل المرفق مع الاقتراح، أن هناك عنف شائع ومتكرر ضد العاملين بمجال الصحافة والإعلام. ويسود الإفلات من العقاب العديد من هذه المواقف، ولا يتم تقديم إلا عدد ضئيل جداً من هؤلاء القتلة إلى العدالة.

من جانبها، قامت الحكومة الأمريكية بالنظر في سياسات تطالب بمعلومات وبيانات حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للمتقدمين بطلبات الفيزا. وفي نقاط مراقبة الهجرة، قد يُطلب من المسافرين السماح لموظفي الهجرة بالنفاذ إلى أجهزتهم الإلكترونية كأحد شروط الدخول. هذه الإجراءات والتدابير تقيد الخصوصية وحرية تكوين جماعات والتجمهر بشكل غير قانوني، ولطالما عارضت منظمة أكسس ناو تلك الاقتراحات المطالبة بتجميع كلمات السر الخاصة بحسابات مواقع التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، لمعارضة الإجراءات التي تطالب المسافرين بالإفصاح عن كلمات السر الخاصة بحساباتهم الإلكترونية كأحد شروط الدخول إلى الولايات المتحدة، قمنا بإنشاء تحالف FlyDontSpy.com إلى جانب العديد من المنظمات الحقوقية الرقمية الأخرى.
 

رداً على هذه المخاوف، يقترح مشروع يونايتد 2026 أن تقوم الفيفا "بمناصرة عدم تجميع أي معلومات أو بيانات تخص حسابات مواقع التواصل الاجتماعي الخاص بالمسافرين إلى أي من الدول المضيفة وألا يتم تفتيش الأجهزة الإلكترونية عند الحدود أو عند أي نقطة من نقاط الدخول، وإنشاء مجلس الخصوصية والحريات المدنية لمناقشة التحضيرات الأمنية للحدث." كما ينادي مشروع يونايتد أيضاً المنظمين ويدعوهم إلى "ضمان مكافحة ومنع الخطط الأمنية للاعتقالات التمييزية للمتظاهرين والصحفيين،" كما تسمح السياسات للصحفيين بالقيام بعملهم "بالتقرير الرياضي وما يتداخل معه من قضايا سياسية أو غيرها." ويعد مقدمو الاقتراح باحترام خصوصية وحقوق الإنسان الخاصة بالحضور والمشاركين والمحتجين. وقد أضفنا إليه أن هيئات المراقبة المدنية يجب أن تتحكم في أي عملية شراء أو تطبيق لتكنولوجيا المراقبة، وأي رقابة حكومية لابد وأن تلتزم بالمبادئ الضرورية والمتناسبة والضمانات التي قمنا بترشيحها.

وليس الحكومات وحدها المعنية بهذا، فالشركات أيضاً تقوم بانتهاك حقوق وخصوصية المشاركين في كأس العالم، ويسعى مشروع يونايتد 2026 لمواجهة هذا التحدي من خلال تضمين تدابير الخصوصية في عملية الشراء الخاصة بتك الشركات. بالإضافة إلى توسيع بعض المعايير المستوحاة من اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) الأوروبية ومطالبة جميع الشركاء التجاريين في هذا الحدث الرياضي بالتوقيع على كود حماية البيانات، للمساعدة بقوة في ضمان احترام خصوصية وحقوق المستخدمين.

وأخيراً، لضمان حرية التعبير وتعددية الآراء، على مقدم العرض الفائز أن يعد بإبقاء شبكة الإنترنت مفتوحة ومتاحة خلال الأحداث الرياضية، بل والعمل على زيادة سعتها لتتحمل الضغط الزائد. فالعديد من الحكومات قامت بإغلاق شبكة الإنترنت أو حظر خدمات مثل تطبيق واتس أب كإحدى طرق حماية النظام العام خلال المباريات. ولكن، استخدام الهاتف لتحديد موقع الخدمات الطبية والصحية والتواصل مع أحبائك والحصول على معلومات معينة تزداد أهميته في مثل تلك الأحداث، لا تقل. بل على المنظمون أن ينظروا في إضافة سعة شبكية أخرى لتحمل الضغط الناتج عن زيادة عدة الأجهزة المتصلة بها.

ولحسن الحظ، هناك أخبار سعيدة أيضاً: فقد تم بالفعل تطبيق نماذج بديلة لمنهج المنظمين في التعامل مع وإدارة التكنولوجيا فيما يخص حقوق الإنسان في الأحداث الرياضية الكبرى. حيث أكد رئيس دورة ألعاب الكومنولث كيف سيتم استغلال دورة جولد كوست 2018 في إلقاء الضوء على قضايا مثل "حقوق الإنسان وحقوق المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وتغير المناخ وتمكين المرأة وعمليات المصالحة مع السكان الأصليين"

وكما ذكرنا من قبل أن الأحداث الرياضية الكبرى تعتبر بوتقة الحقوق الرقمية. ولكن هذا يصبح حقيقياً فقط إذا ما كانت المنصات الإلكترونية المقصد والمكان للمتابعة والمشاركة في الأحداث الرياضية، وتعتمد السلطات على الأدوات الرقمية لإدارة الألعاب.

فبدون تلك الضمانات، ستصبح الأحداث الرياضية الضخمة توجهاً محفزاً نحو تجريم المعلومات ووسائل الاتصال التكنولوجي مثل الإنترنت، بل وتمتد إلى تهميش المجتمعات الجماعات المعرضة للخطر عن طريق القمع الرقمي. ولهذه الأسباب تحديداً، صاحب العرض الفائز باستضافة كأس العالم 2026 بحاجة إلى تطوير وتطبيق معايير لجميع جوانب الألعاب بما يتوافق مع الإطار الدولي لحقوق الإنسان. ومن جانبنا ندعو جميع الأطراف للاجتماع في رايتس كون في تورونتو، حيث سيتم إقامة الحدث 16-18 مايو لمناقشة سبل تعزيز تلك الضمانات.

 This article is part of a series on technology and human rights co-sponsored with Business & Human Rights Resource Centre and University of Washington Rule of Law Initiative.