تطبيقات المواعدة وأفخاخها: لما يتعين على تطبيقات المواعدة أن تبذل جهداً أكبر لحماية مستخدميها من المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية

تعتبر تطبيقات المواعدة الإلكترونية ثورة حقيقة غيرت بالكامل من أسلوبنا كأفراد في المواعدة وإقامة العلاقات وحتى رحلتنا الإنسانية في البحث عن الحب. ولكن للأسف، هذ الرحلة قد لا تكون ممتعة ومرحة للجميع. ففي بعض الدول، تم استخدام تطبيقات المواعدة الإلكترونية لاضطهاد مستخدميها من المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. ففي تقرير صدر حديثاً عن مؤسسة المادة 19، قامت فيه المؤسسة بالتحقيق في طرق استخدام تطبيقات المواعدة الإلكترونية الشهيرة من قبل المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية في مصر ولبنان وإيران، وما يصاحبها من مخاطر قد يتعرض لها هؤلاء المستخدمون على يد السلطات وغيرهم من الأطراف الفعالة غير الحكومية. ولذا قمنا بالاشتراك مع تطبيق "جرايندر" وغيره من تطبيقات المواعدة الإلكترونية بالبحث في طرق يمكن لشركات التطبيقات أن تستخدمها – ويتوجب عليها – تعديل خدماتها ومنتجاتها لتقديم حماية أفضل لمستخدميها تحيل بين الكشف عنهم والإساءة إليهم والقبض عليهم. ولذا يتوجب على جماعات حقوق الإنسان والتقنيين وشركات التطبيقات توحيد صفهم للعمل معاً لتخفيف خطر انتهاكات حقوق الإنسان التي يتم ارتكابها بسبب التكنولوجيا – ولا يزال الطريق في أوله. 

لقد وصلت الحملات القمعية الموجهة ضد جماعات المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية لذروتها في سبتمبر 2017، عندما تم اعتقال أكثر من 70 شخص في مصر عقب رفع علم قوس قزح (شعار المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية) في حفلة غنائية. تم استخدام تطبيقات المواعدة لتعقب ووضع أفخاخ لكثير من المعتقلين. وتراوحت أنماط وطرق الاعتقالات والاستهدافات بين قيام أحد أفراد السلطة من المعتدين بإنشاء حساب مزيف له كمستخدم يبحث عن علاقة عاطفية، ليتمكن من خلالها بناء ملف قضية يستخدمه ضد الفرد الضحية – ووضع نقاط تفتيش للشرطة لتوقيف الأفراد وتفتيش هواتفهم المحمولة وحتى التسلل إلى مواقع الدردشة الاجتماعية الخاصة بجماعات المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. وقد ورد إلى علم الجماعات المحلية أخبار عن الإساءات القائمة والمستمرة لفترات طويلة، ولكن لم يحرك أحد ساكناً ويتخذ خطوة فعالة مستجيبة لتلك الدعوات بشكل جاد وحقيقي. بينما تشهد حالات الإساءة المماثلة ارتفاعاً ملحوظاً في بلدان أخرى.

وبالرغم من أن التسجيل والاشتراك في تطبيقات المواعدة هذه يأتي بمخاطر كبيرة، إلا أن هذه التطبيقات لها أهمية كبيرة أيضاً. ففي بعض البلدان يصبح مقابلة ومواعدة أفراد من نفس الميول الجنسية صعباً للغاية، فالذهاب إلى الحانة بحثاً عن علاقة ليس بالأمر الهين، إن لم يكن مستحيلاً، ناهيك عن تعريض هؤلاء الأفراد لخطورة كبيرة. وهذا السبب تعتبر تطبيقات المواعدة هذه هي الطريقة الوحيدة المتاحة لهؤلاء الأفراد، بعد أن سُدت كل الطرق الأخرى أمامهم؛ وقد جاءت 40% من إجابات الأفراد المشتركين في بحثنا عن سبب اشتراكهم في هذه التطبيقات "لمقابلة أشخاص متقاربين فكرياً". وإلى جانب المخاطر الجسدية التي قد يتعرض لها مستخدمي هذه التطبيقات، فقد كشفت نتائج بحثنا عن أن الدافع للجنس والحب والحميمية والارتباط عادة ما يتفوق على أية مخاوف ومخاطرات.

وبالتالي فمسؤولية مطوري ومقدمي تلك التطبيقات ركن أساسي. فعبء الحماية ومسؤوليتها لا يمكن أن يقع على عاتق المستخدمين وحدهم. فقد أعلنت الأمم المتحدة في معاييرها بكل وضوح أن الشركات أيضاً ملزمة بحماية حقوق الإنسان. ولذا على شركات التطبيقات الإلكترونية بذل مزيد من الجهد لمحاولة فهم بيئة وتجربة المستخدمين، فتأمين الرسائل المتبادلة ببساطة ليس كافياً لحمايتهم. فتلك الشركات مدينة لمستخدميها بحق الحماية الاستباقية وإجراءات الأمان.

ولمعرفة المزيد حول المخاطر التي يتعرض لها مستخدمو تطبيقات المواعدة من المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية، قمنا بإجراء استقصاء ضم أكثر من 400 فرد من مصر ولبنان وإيران. كما قمنا بتنظيم مجموعات مناقشة مع المنظمات المحلية، بالإضافة إلى إجراء مقابلات مع النشطاء المحليين ومغايري الهوية الجنسية. ووجدنا أن العديد من تطبيقات المواعدة والدردشة ينقصها سمات أمان رئيسية على سبيل المثال، تلك التطبيقات كان ينقصها ممارسات بروتوكولات الأمان مثل TSL وSSL الخاصة بتطبيقات الهاتف بالإضافة إلى علامات تحديد المواقع الإلكترونية الآمنة، كما أن عمليات التسجيل والتحقق كانت ضعيفة أيضاً. إلى جانب خصائص الدعم الخاصة بتلك التطبيقات التي اتسمت بالضعف أو لم تقدم أي نوع من المساعدة في الحالات العصيبة. كان المشتركون في الاستقصاء على علم ودراية بالمخاطر الناجمة عن ضعف وعيوب الأمان الخاصة بتلك التطبيقات: 50% من المشتركين ممن توقفوا عن استخدام بعض التطبيقات قالوا إنهم أقدموا على هذه الخطوة بسبب "مخاوف تتعلق بالأمان الجسدي" و20% بسبب "مخاوف تتعلق بالأمن الإليكتروني".

ومن خلال بحثنا قمنا بتجميع تحالف من الجماعات المحلية والنشطاء وخبراء حقوق الإنسان ورجال الأعمال والتقنيين لبحث طرق يمكننا من خلالها محاربة التهديدات والمخاطر التي تهدد الأفراد المثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية. كيف يمكن لتطبيق أن يساعد مستخدم أثناء وقوفه في نقطة تفتيش من خلال إخفاء استخدامه لتطبيق مواعدة للمغايرين جنسانياً؟ كيف يمكن مساعدة مستخدم إذا ما تم استعمال محادثات الدردشة والصور كدليل ضده في المحكمة؟ كيف يمكن للتطبيقات الإلكترونية المساعدة في توصيل المجموعات ببعضها لبحث سبل الاستجابة السريعة في حالة تعرض فرد للاعتقال؟ من خلال تجميعنا لهؤلاء الخبراء تمكنا من العثور على حلول أفضل لتلك القضايا الخطيرة.

كنقطة انطلاق، قمنا بوضع توصيات مخصصة لتطبيقات المواعدة للمغايرين جنسياً. كما قام خبرائنا أيضاً بعرض خبراتهم ومساعدتهم في تنفيذها. وكان عدد كبير من تلك التوصيات يتعلق بإجراءات الأمان الأساسية المفترض تواجدها في جميع التطبيقات لحماية خصوصية وأمان المستخدمين. ورغم أن جميع التوصيات لا تحتاج إلا لموارد محدودة للتنفيذ، إلا أن ما قد يواجه هؤلاء الأفراد من مخاطر جسيمة في تلك الأقاليم يجعل الالتزام بتنفيذ تلك التوصيات يفوق أي مخاوف من الناحية المالية أو الموارد ويهون من شأنها. فتلك التوصيات لا تمكن شركات التطبيقات من تأدية واجبهم والاضطلاع بمسؤولياتهم بحماية مستخدميهم فقط، بل تسمح لهم ببناء قاعدة من الثقة والأمان لمستخدميهم؛ وقد أثبت البحث الذي قمنا به بقوة أن الأمان هو أحد العوامل التي ينظر فيها المستخدمون عند اختيارهم بين التطبيقات.

لم نقم بعرض جميع التوصيات علناً وإتاحتها للعامة لأننا بهذا سنقوض من الهدف المنشود. ولكن من بين تلك التوصيات العامة، حاجة التطبيقات لتقديم معلومات محددة السياق للمستخدمين وتقديم دليل إرشادي حول حقوقهم والقوانين المطبقة. وهناك توصيات أخرى تتعلق باستخدام الرسائل المؤقتة (ويقصد به مسح الرسائل بعد مرور وقت محدد) وخطوط اتصال مباشرة بين المستخدمين والجماعات المحلية للاستجابة السريعة وأفضل ممارسات برتوكولات الحماية الإلكترونية TSL/ SSL وتأمين عملية تسجيل وإنشاء حساب وترجمة التطبيقات بلغات محددة حتى تكون أكثر إتاحة للمستخدمين – وبشكل خاص لتأمين الرسائل وحمايتها والتغييرات المكانية الجغرافية لإخفاء موقع المستخدمين وخاصية إخفاء التطبيق. تنوعت الاستجابة لتلك التوصيات – ولكن شركاء التطبيقات الإلكترونية مثل "جرايندر" تبنوا بالفعل عدد من تلك التوصيات من بينهم منهج أمان الحماية الاستباقية. 

كما سنستمر في العمل كتحالف لمجموعات حقوق الإنسان وشركات التطبيقات الإلكترونية لمواجهة قضايا الأمان في مصر وإيران ولبنان وغيرهم من الدول والعمل على الارتقاء بمستويات الأمان لمستخدمي تلك التطبيقات. ولقد قمنا بالفعل بتحقيق تقدم مبهر مع تطبيقات مثل "جرايندر" وغيرها قاموا بالفعل بتقديم خصائص وسمات جديدة تهدف لمساعدة المستخدمين المعرضين للخطر في بعض البلدان. ولكن لا يزال أمامنا طريق طويل. وعلى النشطاء أن يضغطوا بشكل أكبر على الشركات المؤسسة والمطورة لتلك التطبيقات للتأكد أن أمان وحماية وخصوصية المستخدمين هي الأولوية.

 This article is part of a series on technology and human rights co-sponsored with Business & Human Rights Resource Centre and University of Washington Rule of Law Initiative.