تغيّر الواقع الجندري في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: رعاية نموذج الريادة الاجتماعية

في مجال ريادة الأعمال المعنية بالمرأة، تُعد مبادرات الأعمال الاجتماعية (social enterprises) واعدة بشكل استثنائي. هذه المبادرات بها فجوات جندرية أصغر فيما يتعلق بالملكية، مقارنة بمبادرات الأعمال التجارية العادية. على مستوى العالم، تفوق ملكية الرجال لمبادرات الأعمال التجارية مثيلتها في صفوف النساء بنسبة 2 إلى 1، والفجوة في الشرق الأوسط أكبر بكثير. ففي الأردن على سبيل المثال، تمثل الشركات التي تملك النساء فيها النسبة الأكبر من الأسهم 4% فقط من الأعمال التجارية، ولا توجد في 85% من الشركات التجارية أية ملكية نسائية. على النقيض، تقود النساء 44% من مبادرات الأعمال الاجتماعية الأردنية.

لمبادرات الأعمال الاجتماعية أشكال عدّة، كل منها تستعين بنُهُج ريادة أعمال وبناء قدرات لحل مشكلات اجتماعية. مصطلح "مبادرة أعمال تجارية" يُستخدم لوصف ثلاثة كيانات أساسية، هي كالتالي: 1) مؤسسات تجارية لها تأثير اجتماعي (مثال: الشركات التي تحل مشكلات اجتماعية، مثل LuminAID)، 2) منظمات غير هادفة للربح تنشئ شركة لتوليد فرص العمل و/أو مصادر الربح لتمويل خدماتها (مثال: GroFive، التي تم إنشائها من قبل مؤسسة Because International غير الهادفة للربح)، 3) كيانات تسعى لإحداث تحولات اجتماعية جذرية من خلال تغيير السياقات الاجتماعية التي تنبثق عنها مشكلات اجتماعية، كما في حالة منظمات مثل مؤسسة أشوكا.

في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مبادرات أعمال اجتماعية أكثر من مبادرات الأعمال التجارية. قيل إن هذا سببه تزايد الاهتمام بتحقيق التأثير الاجتماعي المستدام وزيادة الفكر التطوعي في أوساط شباب المنطقة، ما يؤدي إلى زيادة الإحساس بالالتزام الاجتماعي ورفض النماذج التي يحركها الربح التي نجدها في الأعمال التجارية التقليدية. على سبيل المثال، فإن المبادرات الاجتماعية بالمنطقة تعمل بالفعل على سد فجوات في تقديم الخدمات العامة، والتصدي للتحديات المجتمعية، وترويج الشمول الاقتصادي من خلال تهيئة فرص العمل وتحسين مهارات العمل وتقديم السلع والخدمات للفئات السكانية المهمشة. هذه العناصر تضع الريادة الاجتماعية بالمنطقة في مكانة تؤهلها للعب دور مهم في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المحلية والدولية.

لكن وراء هذه المعدلات الواعدة من المشاركة النسائية بالمنطقة، هناك أوجه لامساواة جندرية عنيدة وعصيّة على التغيير، تؤدي إلى تقييد قدرة النساء على تحصيل الدعم المالي وتحد من ملكيتهن للأصول (عادة بسبب قيم أبوية تظهر في القوانين الحاكمة لدخل الأسرة وملكية الأرض وقوانين الميراث بالمنطقة)، فضلاً عن مشكلات أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والمسؤوليات المنزلية. نتيجة للمذكور، فإن مبادرات الأعمال النسائية (التجارية والاجتماعية) هي في المتوسط أصغر من مثيلاتها التي يقودها رجال، إذ أنها تتعاطى مع أحجام عمل أصغر وعملاء أقل، مع محدودية أكبر في خيارات الائتمان المتاحة لها. مؤخراً، زادت جائحة كوفيد-19 من آثار أوجه اللامساواة هذه وقللت من قدرة المرأة على الصمود في مواجهة الجائحة وآثارها.

تُعد مبادرات الأعمال الاجتماعية النسائية معرضة بقوة لخطر هذه الصدمات لسببين. الأول هو أن برامج الدعم المالي التي تنظمها الحكومات يُرجح أن تتجاهل وتُقصي المبادرات الاجتماعية؛ إذ أن دولا قليلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وضعت نظماً وقوانين واضحة لهذه المبادرات، والكثير من المبادرات المملوكة لنساء تعمل بصورة غير رسمية. والسبب الثاني هو أن تدابير التقشف المنتظرة وتغيير مسارات الإنفاق الحكومي والمنح الواردة من المؤسسات الدولية تجاه بنود أكثر إلحاحاً، تهدد بتقليل التمويل المتوفر للمبادرات الاجتماعية على مستوى المنطقة.

الحاجة إلى نهج جندري تحويلي للتعامل مع المبادرات الاجتماعية

نظراً للدور الواعد للمبادرات الاجتماعية في التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأساسية، والتمثيل القوي للنساء في ملكية هذه المبادرات، يتعين على الحكومات تهيئة بيئات تجارية وقانونية وتنظيمية تحويلية، تركز على الجندر. القيادة التحويلية (أي القادرة على إحداث تحولات جذرية) تتحدى المؤسسات والأيديولوجيات التي تبرر وتعمق من عدم المساواة بين الجنسين وتؤدي لاختلال القوة، وهذا من خلال تعزيزها لمشاركة وقيادة المرأة وضمان إعمال حقوقها.

من أجل إعمال نهج تحويلي فيما يخص المبادرات الاجتماعية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هناك ثلاثة عناصر لابد أن نراعيها: فرص العمل الملائمة؛ الحماية الاجتماعية الكافية؛ تطوير أطر عمل مرنة للعدالة الجندرية.

  1. فرص العمل الملائمة والاستدامة

لابد أن تعمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على توفير فرص عمل ملائمة ولائقة لقوة العمل المتزايدة في اقتصاد تهيمن عليه العمليات الاقتصادية الصغيرة والطابع غير الرسمي. الشركات الصغيرة تشكل قطاعاً كبيراً من الكيانات الموظفة للعمالة بالقطاع الخاص عبر المنطقة؛ إذ أن الشركات التي بها 5 موظفين أو أقل تهيمن على القطاع الخاص في كل من مصر (60%) والأردن (40%) وتونس (37%). كثيراً ما تكون هذه الشركات نشطة بالاقتصاد غير الرسمي وتسهم في تهيئة كمية كبيرة من فرص العمل للنساء والشباب والفئات المستضعفة الأخرى.

  1. تصميم برامج حماية اجتماعية شاملة للجميع ومراعية للجندر مع توفر هذه البرامج للمبادرات الاجتماعية 

برامج الحماية الاجتماعية (أي التأمين الاجتماعي، المعاشات، الرعاية الصحية، برامج دعم أصحاب الإعاقات، إلخ) لها أثر مباشر على أدوار النساء المتعددة، لا سيما أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والعمل المنزلي. في المنطقة، تعاني النساء من أعلى عبء أعمال رعاية غير مدفوعة الأجر على مستوى العالم، إذ ينفقن وقتاً أكثر من الرجال بواقع 4.7 إلى 1، على أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر. إن بناء برامج الحماية الاجتماعية المناسبة يتطلب فهما كاملا للضغوط التي تفرضها أية أنشطة ريادية على أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تبذلها النساء، ومسؤوليات إعادة إنتاج قوة العمل التي يتحملنها. هناك حاجة إلى تعظيم حجم إشراك المبادرات الاجتماعية غير الرسمية وغير المسجلة، التي بها تواجد أكبر للنساء.

  1. تطوير إطار عمل عدالة جندرية للمبادرات الاجتماعية

سوف يؤدي تطوير وإعداد إطار عمل للمبادرات الاجتماعية يتحرى إحداث نقلة في العدالة الجندرية، إلى تغييرات أكبر في البُنى الاقتصادية والاجتماعية القائمة، والتي تعد هي السبب الجذري وراء العلاقات الجندرية القائمة في الأسرة والسوق والمجتمع والدولة. لابد أن تقرّ السياسات المناسبة المأمولة بأن النساء لسن فئة واحدة متجانسة، فتجارب النساء تتقاطع على خطوط تشمل العرق والتوزيع الجغرافي والمستوى الاجتماعي-الاقتصادي والتعليم والإعاقة والسن وهويات أخرى. هذه التقاطعات تعظّم من أوجه اللامساواة والهشاشة القائمة التي تُعرّف خبرات النساء في أماكن العمل وتهدد بتهميش النساء اللائي يواجهن نظماً مختلفة ومتعددة من القمع.

الختام 

في منطقة تعد فيها التفاوتات الجندرية من بين الأسوأ في العالم، فإن العدالة الجندرية والتمكين الاقتصادي للمرأة يعدان من الأهداف صعبة التحقق في غياب نهج جندري قادر على إحداث تحولات جذرية. هذا النهج يتطلب تدخلات وأعمالا متعددة الطبقات، تشتمل على إعادة تصميم النظم الرسمية (مثال: القوانين واللوائح، برامج الحماية الاجتماعية، قوانين الضرائب وتوفر الخيارات المالية) والنظم غير الرسمية (مثال: القيم الاجتماعية التي تربط العمل غير مدفوع الأجر والعمل المنزلي بالنساء) التي تقلل من تأثير المبادرات الاجتماعية التي تقودها النساء. تُظهر تجارب النساء اللاتي يملكن مبادرات اجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن رفض تطبيق نُهُج جندرية تحويلية على مجال ريادة الأعمال يعيق من التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تسمح للمنطقة بأن "تبني بشكل أفضل" في أعقاب جائحة كوفيد-19. كما يُظهر هذا أن التركيز على المبادرات التجارية الفردية لن يؤدي إلى تغيير اجتماعي دون التصدي للاحتياجات الجماعية وتهيئة نظام داعم يؤدي لتحولات جذرية في كيفية نظر المجتمعات إلى العدالة الجندرية وحقوق المرأة.