مفهوم "مسؤولية الحماية" لا يزال داخل اللعبة السياسية رغم سقوطه في ليبيا وسوريا

أثار عدم توافق مجلس الأمن الدولي في كيفية الرد على جرائم الإبادة الجماعية التي تحدث في سوريا الآن، بما في ذلك الاستخدام المروع للأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق الشهر الماضي، تساؤلات عن  جدوى مبادرة مسؤولية حماية المدنيين دولياً، وهي المبادرة التي احتضنها مؤتمر القمة العالمي عام 2005، وصوحبت وقت ظهورها بالكثير من الأمل والتشجيع من قبل رؤساء الدول والحكومات.

أثار عدم توافق مجلس الأمن الدولي في كيفية الرد على جرائم الإبادة الجماعية التي تحدث في سوريا الآن، بما في ذلك الاستخدام المروع للأسلحة الكيميائية في ضواحي دمشق الشهر الماضي، تساؤلات عن  جدوى مبادرة مسؤولية حماية المدنيين دولياً، وهي المبادرة التي احتضنها مؤتمر القمة العالمي عام 2005، وصوحبت وقت ظهورها بالكثير من الأمل والتشجيع من قبل رؤساء الدول والحكومات.

وفي حين أن مباردة "مسؤولية الحماية" قد  سقطت إلا أنها لم تنتهِ تماماً لأربعة أسباب سوف أحددها تباعاً. أولاً، يوجد فعلياً الآن إجماع عالمي حول مبادئ مباردة "مسؤولية الحماية" الأساسية. ثانياً، تلك المبادئ أثبتت  جدواها في بعض الحالات في العالم، ولذا استمر مجلس الأمن في تنفيذها، حتى بعد انقسامه بشأن ليبيا وشلله في اتخاذ القرار حول الأوضاع في سوريا. ثالثاً، هناك طريقة مبدئية لتفادي العقبة التي تواجه صناع القرار السياسي الآن في كيفية الرد على وحشية استخدام الأسلحة الكيميائية مع احتمال استخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن. ورابعاً، من الممكن  أن نتصور  توصل الدول في المستقبل إلى توافق  في مجلس الأمن حتى في الملفات الأكثر تعقيداً. .

وخير دليل على القبول العام بمبادرة "مسؤولية الحماية" تصريحات تم تداولها أثناء مناقشات الجمعية العمومية السنوية المتعاقبة منذ عام 2009. حيث لا توجد أي دولة الآن لا توافق على أن كل دولة ذات سيادة لديها مسؤولية حماية شعبها، بكل ما أوتيت من قوة، من الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والجرائم الكبرى الأخرى ضد الإنسانية، وجرائم الحرب الأخرى. كما لا توجد دولة لا توافق أن يكون للدول الأخرى المسؤولية، بكل ما أوتوا من قوة،  لمساعدتها في القيام بهذه  المهام. ولا توجد دولة تتحدى جدياً مبدأ وجوب اتخاذ  المجتمع الدولي لإجراء جماعي  وحاسم في حال فشل أي دولة بشكل واضح في القيام بمسؤولياتها في حماية شعبها. بالتأكيد يوجد ارتياح عام أقل لهذه الجملة الأخيرة  من سابقتيها، وسيكون هناك جدل دائم حول ماهية الاجراءات المناسبة التي يجب اتخاذها في قضية معينة، إلا أنه لا يوجد اعتراض على المبادئ الأساسية.

وفي ما يتعلق بقيمة هذه المبادئ على أرض الواقع، فهناك الكثير من الأدلة على أن مبادرة "مسؤولية الحماية" هي أكثر من مجرد كلمات على ورق. هذا ما يؤكده ه مثال كينيا في عام 2008، حينما كانت الجهود الدبلوماسية سريعة و فعالة وساحل العاج وليبيا في عام 2011، حينما سمح مجلس الأمن باستخدام القوة العسكرية. ولو أن المجتمع الدولي قام بدور حاسم وقوي في التسعينيات، مثل ما فعل رداً على التهديدات بمجزرة بنغازي، لكان 8000 من الرجال والفتيان الذين قتلوا في مذبحة سريبرينيتسا وال 800 ألف من الرجال والنساء والأطفال الذين ذبحوا في رواند  ما زالوا على قيد الحياة  اليوم. وأياً كانت الانقسامات اللاحقة حول الوضع في ليبيا وسوريا، فمنذ عام 2011 ومجلس الأمن يواصل استخدام مضمون مبادرة مسؤولية الحماية في الحالات المناسبة (على سبيل المثال، اليمن وجنوب السودان ومالي).

الخلاف الذي اصبح واضحاً الآن في مجلس الأمن للأمم المتحدة هو في الحقيقة حول كيفية تطبيق قاعدة مبادرة مسؤولية الحماية في الحالات الصعبة، تلك  التي  تكون نهايتها مأساوية ، والتي فشلت جهود منعها فشلاً ذريعاً،رغم أنها ألحقت أو يتخوف أن تلحق أذى كبيراً بالمدنيين إلى درجة  تصبح  مسألة استخدام القوة العسكرية إحتمالاً بديهياً . ولكن قطعاً هذه هي الحالات المعقدة، لأنه حتى لو انقسمت الآراء بشأن   كيفية التعامل معها  على أعلى المستويات السياسية، فهناك خطر يهدد مصداقية  مبادرة مسؤولية الحماية برمتها. إذن كيف يمكن البدء في استعادة التوافق؟ ما نحتاجه فوراً الآن هو إيجاد طريقة لتخطي أزمة الأسلحة الكيميائية الحالية في سوريا بطريقة لا تصعب مهمة التوصل إلى توافق في المستقبل. وعلى المدىالبعيد، فإن الحاجة هي علاج المشكلة الأساسية نفسها، وهي انهيار الثقة الذي  خلفها تنفيذ تفويض التدخل في ليبيا.  

أما بالنسبة  لحاجة التحرك الفوري، فهناك طريق مبدئي لل لحل الأزمة ينطوي على تحديد ما هو شكل العمل العسكري الذي سيستخدم بشرعية وبحكمة ضد النظام السوري رداً على وحشية الهجوم بالأسلحة الكيميائية الشهر الماضي. ومن ثم، إذا كان ذلك ممكناً، فلابد من وجود إجابة ذات مصداقية لمسألة ما إذا يمكن تبرير مثل هذا العمل العسكري في ظل غياب موافقة مجلس الأمن.

إن قضيتا الشرعية والحكمة تعتمدان أساساً على تلبية المعايير الخمسة المعروفة والتي نصت عليها اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول في عام 2001، و التي أصبحت منذ ذلك الوقت الركيزة الأساس  في هذا النقاش (وإن لم تعتمد بعد رسمياً من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن).

أولى هذه المعايير هي ما إذا كانت خطورة الضرر في القضية تبرر توجيه عمل عسكري  قسري   ولتلبية ذلك يجب تقديم أدلة قاطعة، لا يمكن الشك فيها، أكثر من ما وضعته الولايات المتحدة من أدلة على الطاولة حتى الآن بأن سبب سقوط مئات القتلى في  الغوطة كان بالتأكيد ناتجاً عن استخدام للأسلحة  الكيميائية، وبأن نظام الأسد كان مسؤولاً عن ذلك. فليس باستطاعة أحد تحمل تكاليف الكارثة مثلما حدث في العراق في عام 2003.

ويعني ذلك أيضاُ الإجابة على السؤال التالي: لماذا ينظر إلى مقتل المئات بالأسلحة الكيميائية على أنه خط أحمر، فيما لا ينظر إلى  مقتل عشرات الآلاف حتى الآن بوسائل أخرى (بما في ذلك العديد من المدنيين،  والتي تشكل جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية)  بالطريقة ذاتها؟ الإجابة المختصرة هي: أن الأسلحة الكيميائية، مثل الأسلحة البيولوجية أو النووية، هي عشوائية بحد ذاتها ولا تميز بين الأهداف: فنظرياً يمكن للأسلحة التقليدية أن يتم توجيهها لتجنب سقوط ضحايا من المدنيين، وهو أمر مستحيل حين استخدام أسلحة الدمار الشامل، سيما وأن حرب المدن تختلف تماماً عن ميادين القتال المنعزلة.

المعيار الثاني هو أن الدافع وراء أي إجراء هو حماية المدنيين (بمعنى وقف تكرار استخدام أسلحة من المستحيل السيطرة عليها) وليس لأي أجندة أخرى. وهذا يعني، على وجه التحديد، أنه يجب ألا يوجد أي تلميح يشير بأن هذا العمل العسكري هو في الحقيقة لتأمين تغيير النظام.

المعيار الثالث هو الملاذ الأخير، أي أنه لا يوجد وسائل أخرى- بما في ذلك الجهود الدبلوماسية، أو مرجعية المحكمة الدولية (التي يجب أن تكون عن طريق مجلس الأمن)- متاحة أو من المحتمل أن تكون فعالة في تحقيق هدف المبادرة الأساسي وهو حماية المدنيين. فبعد إرجاء رد الولايات المتحدة على الأحداث حتى يتسنى للكونغرس الأميركي مناقشتها، أصبح هناك متسع من الوقت لمواصلة استكشاف وتقييم هذه القضية. وحتى لو تم  توجيه ضربة عسكرية، لا يجب التخلي أبداً عن الجهود الدبلوماسية،  إذ أن التفاوض على انتقال سياسي  هو ما   سينهي الصراع السوري برمته.

المعيار الرابع هو على أن يكون أي رد عسكري متناسباً مع حجم التهديد: أي أن يؤدي إلى ما هو ضروري، ليس أكثر من ذلك، ردع أي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيميائية وهو ما لا يعني حرب واسعة النطاق ترمي إلى تغيير النظام.

المعيار  الأخير لشرعية، أو قانونية، العمل العسكري  هو موازنة العواقب: بمعنى ألا يضع التدخل العسكري الأشخاص الذين من المفترض حمايتهم في خطر أكبر. فالتخوف من هذه النقطة،  أي أن يؤدي أي تدخل واسع النطاق  إلى إشعال نار الغضب ووإزكاء فتيل الحرب  الأمر الذي سيسبب بدوره معاناة أكبر وأشمل.  تلك النقطة تبقى حتى الآن سبباً رئيسياً لعدم وجود دعم دولي واسع لمثل هذا الإجراء.  وقطعاً، إن أي  عمل عسكري مقترح يجب أن يكون محسوباً بدقة متناهية، مع فهم كامل لتأثيره على نطاق واسع، وتلك ليست مهمة مستحيلة، ولكن تنفيذها صعب جداُ.

إن  تبرير  أي عمل عسكري أخلاقياً وقانونياً يعتمد على تلبية تلك المعايير الواحدة تلو الأخرى، ويجب على المجتمع الدولي برمته أن  يتأكد من   تحقيقها. وفي المقابل، تعتمد مثل هذه الحالة  قانوناً على موافقة مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم (سيما في ظل غياب حالة الدفاع عن النفس). فالإجماع على لغة قرار الأمم المتحدة عام 2005 جعل من الواضح، وضوح الشمس، أن أي تطبيق غير سلمي لمسؤولية الحماية، يجب أن يقع تحت الفصل السابع من الميثاق. إن جهود محامي حكومة المملكة المتحدة (وبعض محامي الولايات المتحدة) الحثيثة للبرهان بأن القانون الدولي العرفي يتيح العمل خارجه في الحالات الاستثنائية، حيث تتخذ إجراءات للتخفيف من كارثة إنسانية  كبيرة، فإن مزاعمهم غير مقنعة  البتة.  قد يكون منطقياً القول بأن طبيعية القانون الدولي العرفي - المبني على  الأعراف والممارسات المجمع عليها- يعني أنه عليك كسر قانون، لوضع قانون آخر. إلا أن ما حدث في كوسوفو عام 1999 لا يشكل سابقة كافية أو دليل على ممارسة معاصرة،  تضع قوانين جديدة.

ما تقدمه لنا  حالة  كوسوفوهو إجابة على سؤال كيفية تبرير ضربة عسكرية ضد سوريا أمام الرأي العام، وإن لم يكن تبريرها بالقانون حلاً مطروحاً، وذلك  في حال استخدام روسيا حق النقض الفيتو، أو تلويحها باستخدامه، الأمر الذي لا يعني إلا اإفتقار مجلس الأمن لسطلته الشرعية. ففي حالة كوسوفو، كان هناك شريحة  كبيرة من الرأي العام العالمي تؤيد  اقتراح حلف شمال الأطلسي لتدخل كوسيلة لوقف جرائم الإبادة الجماعية التي  يرتكبها ميلوسيفيتش. ولعل هذا التدخل لم يكن قانونياً، إلا أنه، وإذا نظرنا إليه من الناحية الأخلاقية، كان مشروعاً.  وقد تكرر هذه التجربة مرة أخرى، في حال تلبية المعايير المبينة أعلاه، مما يوفر   قبولأ عاماً كما  حدث سابقاً.

إن  السبيل الأنجع  لتذليل عقبة غياب سند قانوني رسمي يجيز التدخل العسكري، هو تقديم ما يشبه مرافعة في محكمة محلية: "قد نكون  خرقنا روحية القانون، لكننا لا نتحدى تطبيقه ولن نجعل من هذا الأمر عادة دائمة – كل ما في الأمر هو أنه وفي بعض الظروف الخاصة للغاية هناك ضرورة أخلاقية عارمة للتصرف على نحو ما فعلنا، وأي إدانة يجب أن تعكس هذا الواقع". صياغة النقاش بمثل هذه المصطلحات المفهومة شعبيًا، يشكل سبيلاً  أفضل بكثير سعياً  لبناء توافق طويل الأمد في مثل هذه الحالات الصعبة، مع التركيز بوجه خاص على الاستخدام المروع للأسلحة الكيميائية، الذي يغير أخلاقيًا من قواعد اللعبة. أما محاولة اختلاق مبرر قانوني من العدم، كما حاولت المملكة المتحدة فعله في العراق  عام 2003  وتحاول فعله الآن، فهو يعرض للخطر مصداقية العمل الإنساني الذي يهدف لحماية المدنيين.

لذاأخيرًا، كيف يمكن تحقيق الهدف الأطول أمدًا   وهو إعادة التوافق في مجلس الأمن للتعامل مع الحالات الأكثر  جسامة والتي  مثل حالتي  ساحل العاج وليبيا في عام 2011؟ إن مفتاح الحل في المستقبل  يبدأ بالاعتراف  بأخطاء الماضي. ففي ليبيا، لم تكن هناك معضلة في البداية.  إلا أن المشاكل بدأت تطفو   حين تبين أن الدول الثلاث الدائمة العضوية في مجلس الأمن (الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا)، التي كانت تساند التدخل، لن ترضى بأي شيء أقل من تغيير النظام، وأنها ستفعل كل ما يتطلبه الأمر لتحقيق ذلك. وقد حاججت  دول مجموعة البريكس – وهي البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، وجميعها كانت ممثلة في المجلس حينها –بأن ما جرى تجاوز للتفويض  المحدود الممنوح لحماية المدنيين (لا سيما عندما رفضت دول ال P3 مناقشة مختلف مبادرات السلام التي قدمها القذافي بشكل جاد). وقد كان لديهم حجة قوية في هذا النقاش.

في المقابل، كان لبعض الحجج المضادة قوة خاصة أيضاً – لا سيما في حالة الحاجة لحماية المدنيين في  في مختلف المدن، كطرابلس مثلاً، التي كانت تحت سيطرة القذافي المباشرة، ولم يكن هذا ليتحقق إلا بهزيمته. ومع ذلك، فقد رفضت دول ال P3 مناقشة هذه الحجج في أي مرحلة في مجلس الأمن نفسه، ولم تعطِ للدول الأخرى في مجلس الأمن المعلومات الكافية لتمكينهم من تقييمها بشكل صحيح. وربما لا يمكن تصديق كافة دول مجموعة البريكس في قولها بأنه كان لديها طريقة أفضل يمكن اتباعها، وأنه كان يمكن تحقيق المزيد من الأرضية المشتركة. ولكن يمكن بالتأكيد تصديقهم في قولهم بأنهم شعروا  بالخيبة نتيجة الإقصاء الذي مارسته دول ال P3أثناء الحملة الليبية – وأن على هذا الجرح  أن يندمل أولاً قبل توقع حصول أي توافق  في مثل هذه الحالات الصعبة في المستقبل.

 إحدى الاقتراحات البناءة التي  توفر أملاً حقيقياً في التوصل لمصالحة طويلة الأمد في مجلس الأمن، تقدمت به البرازيل نهاية عام 2011، وهو استكمال، وليس استبدال، مبادرة  مسؤولية الحماية بمجموعة متكاملة من المبادئ والإجراءات التي تم عنونتها باسم "المسؤولية أثناء الحماية" أو "RWP". وكما ظهر في المناقشة التي تلت ذلك، فإن مبادرة "المسؤولية أثناء الحماية" تتكون من عنصرين أساسين فقط. أحداهما مناقشة المعايير القانونية الذي يجب أن يتفق عليها، من النوع الذي تم مناقشته أعلاه، (بما في ذلك بوجه خاص معايير "الملاذ الأخير"، و"التناسب" و"موازنة العواقب") وأخذها بعين الاعتبار قبل أن يقوم مجلس الأمن بإقرار أي تفويض باستخدام القوة العسكرية. أما الآخر فهو أنه يجب أن يكون هناك نوع من التحسين لعمليات الرصد والمراجعة التي  ستخول كافة أعضاء مجلس الأمن مناقشة مثل هذه التفويضات بشكل جاد خلال مرحلة تنفيذها، وذلك  بغية ضمان الحفاظ على التوافق قدر الإمكان طوال العملية.

وقد كان رد الفعل الأولي من جانب دول ال P3على اقتراح مبادرة "المسؤولية أثناء الحماية" البرازيلية عندما تم  تقديمها لأول مرة متشككًا للغاية –"فهذه الدول ترغب في تأخير وإفساد كل هذه الخيارات، أليس كذلك"- ولكن تجربتهم في سوريا قد أرغمت البعض على إعادة التفكير. والحقيقة هو أنه إذا كان هناك أي إمكانية على الإطلاق لتأمين تصويت أغلبية الدول التي لا تتمتع بحق النقض مرة أخرى لاتخاذ إجراء صارم بشأن حالات المذابح الجماعية الوحشية – حتى بما فيها الأعمال التي تقع ضمن العمل العسكري المحدود- فإن القضايا التي تقع في صميم ردة الفعل التي صاحبت تنفيذ التفويض الليبي، ومخاوف دول مجموعة البريكس على وجه الخصوص، يجب ببساطة أن تؤخذ على محمل الجد. فتلك القضايا والمخاوف تعكس آراء رقعة واسعة للغاية من دول العالم النامي.

وحقيقة، لا أحد يريد رؤية عودة الأيام السيئة القديمة حينما كانت ترتكب الجرائم المروعة ضد الإنسانية  داخل الدول ذات السيادة وكان يُنظر إليها من قبل الجميع تقريبًا على أنها ليست من شأن أحد آخر، أو  أن يغيب التوافق كما كانت الحال في التسعينيات. هذا الأمر سيستغرق وقتًا (وغالبًا بالتأكيد سيكون متأخرًا للغاية لتكون له أي فائدة ترجى في سوريا)، ولكن إعادة إنشاء هذا النوع من التوافق الذي تم تحقيقه بالفعل، ولو بشكل عابر، في الحالات الصعبة في أوج عام 2011 هو أمر يمكن التوصل إليه في نهاية المطاف.