اتفاقية 1967 لمحاربة التعصب الديني – المعاهدة التي كادت أن تتم

اليوم، السادس عشر من شهر ديسمبر يمثل الذكرى السنوية الخمسين لاعتماد معاهدتي الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: للحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. على مدار هذا العام تمت إقامة العديد من الاحتفالات لإحياء هذه الذكرى، ولكن بماذا نحتفل؟

يُنظر لمواثيق 1966 كونها القاعدة الأساسية لحقوق الإنسان المعاصرة. وهذا المفهوم يتفق تماماً مع الرواية التاريخية التقليدية والتي ركزت على تطور الشريعة الدولية لحقوق الإنسان والمؤلفة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، والمعاهدتان وما نصتا عليهما من إجراءات. ولكن هناك رواية أخرى لهذه القصة تستحق السرد. فبدلاً من الحديث عن "القواعد الأساسية"، ربما يكون من اللائق أيضاً مناقشة كيان القانون الدولي لحقوق الإنسان "المفكك" من ستينات القرن، احتفالاً بإرثه غير المعروف معنا اليوم.


Flickr/United Nations Photo (Some rights reserved)

Today, 16 December, marks the 50th anniversary of the adoption of the two UN human rights Covenants: on civil and political rights; and economic, social and cultural rights.


من الأخطاء الشائعة أن يُنظر لوضع أسس حقوق الإنسان بعد عام 1945 على أنه عمل مبعثه الحفاظ على وحماية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي الحقيقة أن مشروع أسس حقوق الإنسان العالمي تمت إعادة تعريفه في عام 1962 بإضفاء التمييز العنصري والتعصب الديني إلى لبه. بمبادرة مجموعة من الدول الأفريقية، قررت الأمم المتحدة على مسودة إعلان واتفاقية فيما يخص المجالين السابقين. وبفحص تاريخ تقدم وتطور القانون العالمي لحقوق الإنسان في الستينات، فاتفاقيات التمييز العرقي معروفة للجميع، ولكن القصة الحقيقية لاتفاقية محاربة التعصب الديني فتم غض الطرف عنها تماماً. والغالب أن باحثي حقوق الإنسان قد قاموا بتجاهل أهم محاولات القرن العشرين في إضافة التعصب الديني كمادة في قانون حقوق الإنسان العالمي.

 وضع أولوية للعرق والدين شكل تحدياً للدول العظمى المشاركة في الحرب الباردة ولكنه مثل معادلة سياسية سمحت بوجود دافع للمشاركة بشكل أكبر في صناعة قانون حقوق الإنسان العالمي.

في عام 1963، بدأت الأمم المتحدة مفاوضات الأدوات القانونية بالتركيز على إنهاء التعصب الديني. وقد حدث هذا بالتوازي مع المجمع الثاني الفاتيكاني – وهو حدث تحولي للعالم في حد ذاته. وضع أولوية للعرق والدين شكل تحدياً للدول العظمى المشاركة في الحرب الباردة ولكنه مثل معادلة سياسية سمحت بوجود دافع للمشاركة بشكل أكبر في صناعة قانون حقوق الإنسان العالمي. كان التمييز العرقي هو نقطة الضعف السياسية بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنه في نفس الوقت كان الحصان الرابح للاتحاد السوفيتي. ولما جاء إعطاء الأولوية للتعصب الديني بكشف النقاب عن فضائح الدول الشيوعية، وجد كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الفرصة سانحة للاقتصاص. فأصبحت اتفاقية محاربة التعصب الديني الأولوية لحكومة المملكة المتحدة في الفترة من 1964، ولعبت دوراً مهماً في التغيير الصارم للسياسة في عام 1966 والذي أدى لاعتراف المملكة المتحدة أخيراً بأن "حقوق الإنسان قضية شرعية ولها أهمية عالمية".

بحلول عام 1965، كانت لجنة الأمم المتحدة تركز بشكل رئيسي على صياغة اتفاقية ملزمة لمحاربة التعصب الديني. تعقدت عملية اعتمادها بسبب محاولة الدول الشيوعية المستميتة في المماطلة. وأصبح هذا ميدان آخر للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مع تدخل بعض الدول الصغيرة من دول الجنوب العالمي لإبقاء عملية الصياغة على دربها. وفي نهاية المطاف، تفاقمت عملية وضع الصياغة وتدهورت.

وبعد جلسة ربيع 1976، نُقل نصاً كاملاً من الاتفاقية للجمعية العامة للأمم المتحدة للإتمام والاعتماد. حددت صياغة الاتفاقية مجموعة من المعايير القانونية للقضاء على التعصب الديني – وفي نفس الوقت فصّلت بوضوح مبادئ التسامح الديني. واشتملت أيضاً على مادة قانونية تسمح للدول بإبلاغ محكمة العدل الدولية بأي اتهامات بانتهاك أو مخالفة بنود هذه الاتفاقية. وعقد الجميع أمله أن يتم اعتماد الاتفاقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في جلسة 1967. هذه الآمال استندت لأسس قوية، فقد تم اعتماد اتفاقية التمييز العرقي بالإضافة إلى معاهدتين أخرتين تم اعتمادهما في آخر جلستين في 1965 و1966. فجاء اعتماد اتفاقية محاربة التعصب الديني كجزء مكمل لهذا الكيان.   

ولكن الأمر لم يفلح. فبين جلسة ربيع لجنة حقوق الإنسان والجمعية العامة للأمم المتحدة في خريف 1967، وقعت حرب الستة أيام في الشرق الأوسط. فالسقوط الدبلوماسي الذي تسببت به هذه الحرب، جعل من هذه الاتفاقية أمراً ثانوياً في الأمم المتحدة. أصبح الاتحاد السوفيتي حليفاً للدول العربية وعمل بجهد مكثف على زيادة الانقسامات بين دول الجنوب العالمي للمطالبة بمراجعات حتى يتم تقويض هذه الاتفاقية. وأثمرت هذه المجهودات بسقوط الاتفاقية تماماً.  

وجاء سقوط هذه الاتفاقية وفشلها بتداعيات وعواقب دولية بعيدة المدى. فقد كان المجتمع الدولي قاب قوسين أو أدنى من وضع اتفاقية ملزمة قانونياً لمحاربة التعصب الديني. لم يعد بوسع المرء إلا التحسر على ما كاد أن يحدث (فاليوم) كان من المفترض أن يكون الذكرى الخامسة والأربعين لمواجهة التعصب الديني في المشهد العالمي – بمعايير قانونية معترف بها وإجراءات رقابية وعمليات سياسية ودبلوماسية إلى جانب تحريك المنظمات الدولية غير الهادفة للربح. غياب هذه الاتفاقية وغياهب ما لم يسمح له يوماً أن يكون، يدوي بصداه عالياً. وبدلاً منها، أصبح ازدياد وتفاقم الأصولية الدينية هو الصفة الغالبة للسياسات العالمية اليوم. والإجابة على كل ما يحدث أن ما ورد في إعلان 1981 من إنهاء كل أشكال التعصب والتمييز القائم على أسس الدين أو الاعتقاد – كان ولايزال شيئاً صغيراً جاء متأخراً للغاية.  

لا يسعنا إلا تخمين قوة تأثير الأداة القانونية الدولية  لاتفاقية 1967 لإنهاء كل أشكال التعصب الديني- في حالة اعتمادها. ولكن يمكننا الاستعانة بهذا الفشل بتعلم درس رمزي وتشخيص مناسب لمشاكل عصرنا اليوم. فالأصولية الدينية أصبحت مصدر رئيسي للصراع والعنف بشكل متزايد. ولازلنا شهداء على عجز المجتمع الدولي على مواجهة تصاعد الطائفية ودورها المدمر المؤدي لحروب دامية.

فأحد أسوء موروثات إعلان حقوق الإنسان حظاً من الستينات هو ذلك الطرف الناقص- هذه الاتفاقية التي ما شاء لها أن تتم- انحلت من كيان مجموعة القوانين التي ينص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان. منذ البدء ومشروع هذه الاتفاقية يمثل تحدياً ضخماً. ففي مستهل 1962، تساءل أحد أعضاء الأمم المتحدة المتشككين بتهكم وسخرية – مشيراً إلى العلاقة المتوترة بين الدين والقانون: "من يمكنه أن يرسم الخط الفاصل بين الدين والخرافة؟" ولا نزال نناضل لإيجاد الإجابة اللائقة.   

كمواطن اليوم في عالم تمزقه الحروب وتعصف به الأزمات، يبدو لي أن الاحتفاء بتلك المعاهدتين كونهما "أسس" شيئاً هزيلاً- وخاصة أن جذور الكثير من العنف في عالمنا اليوم يمكن تعقبه إلى مشاكل التعصب الديني. الأزمات المعقدة والمتشابكة التي نصارعها اليوم تقف في مواجهة اتفاقية متفككة ربما كان لها أن تساعد في احتواء أو معالجة التعصب الديني.

فميراث الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سوف يحيا ويستمر بالتأكيد ولكن سيظل مذكراً بالألم كعادة أشباح الندم – ولذا لابد أن نرى فيه شبح ألألم الذي خلقه كياننا السياسي الدولي.