التحديات والفرص في العالم المتغير

في عام 2010، أصبح سليل شتي الأمين العام الثامن لمنظمة العفو الدولية. وقبيل انضمامه لمنظمة العفو الدولية، كان شتي مديراً لحملة الألفية التابعة للأمم المتحدة من العام 2003 وحتى عام 2010. وقد لعب دوراً رئيسياً في بناء حملة الدعوة العالمية لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ومن عام 1998 وحتى عام 2003، كان الرئيس التنفيذي لمنظمة أكشن أيد ((ActionAid الغير حكومية الدولية للتنمية.

قد تختلف منظمة العفو الدولية في كثير من الموضوعات مع مستشار الأمن القومي الهندي القوي شيفشانكار منون، ولكن قد توجد نقطة واحدة تتفق فيها منظمة حقوق الإنسان مع مستشار الأمن القومي الهندي. يقول منون: "إن السلطة اليوم موزعة بشكل عادل تماماً...فنحن نرى توازنات عدة للسلطة، والتي تتغير بدورها بسرعة حيث أن العديد من القوى آخذة في الظهور جميعاً في وقتٍ واحد". ومن وجهة نظر منون "هذه الانسيابية الشديدة في توزيع القوى في العالم قد تخلق فرص عديدة".

فإذا كان ذلك صحيحاً أن هذه الانسيابية العالمية تتيح فرصاً في السياسات الحكومية، فإن الأمر أكثر صحة فيما يتعلق بإحداث تأثير على انتهاكات حقوق الإنسان.

فقد أصبحت دولاً مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا تلعب دوراً عالمياً أكثر من أي وقتٍ مضى. وهذه الدول حنباً إلى جنب مع إندونيسيا، تركيا، نيجيريا والقوى الناشئة الأخرى – يتمتعون بنفوذ سياسيٍ كبير ومتزايد. فإذا تحدثوا بصوتٍ مسموعٍ عن قضايا حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، فيمكن أن يكون لكلمتهم أثراً كبيراً.

ولكن للأسف، فقد شهدنا استعداداً ضعيفاً جداً للاستفادة من هذه الفرص.

بطبيعة الحال، لم تختفي المعايير الغربية المزدوجة القديمة الطراز إلى الآن. فلا تزال الولايات المتحدة مترددة في التعليق على انتهاكات حقوق الإنسان التي تحدث في المملكة العربية السعودية والبحرين. كما أن واشنطن قد دعمت الرئيس المصري السابق مبارك إلى النهاية، وعلى ما يبدو فقد حكمت عليه بأنه (على حد التعبير الرئاسي الأمريكي القديم، والذي استخدم في الأصل في سياق الحديث عن ديكتاتوري أمريكا اللاتينية) "إنه وغد، ولكن على الأقل هو وغدنا".

ولكن لا يمكن للنفاق الغربي، قديماً أو حديثاً، أن يكون سبباً لأن تتبع القوى الناشئة في جنوب العالم نفس هذا النوع من القيادة غير الصحيحة. فإذا كانت تعتبر نفسها من اللاعبين العالميين، فيجب أن تلعب دوراً عالمياً – بما في ذلك دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان.

فالحكومات التي تحب أن تتوارى في خطاب الأبرار الصادر من حكومات الجنوب – والتي عانت كثيراً في الماضي من انتهاكات حقوق الإنسان – في كثير من الأحيان نجد أنها على أتم الاستعداد للابتعاد عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والجرائم ضد الإنسانية في جميع أنحاء العالم اليوم.

وكمثالٍ واحدٍ على ذلك، التشابه المقلق للغاية في النهج بين حكومة مارست القمع العنصري منذ 50 عاماً والحكومة الديمقراطية التي خلفتها بعد ذلك. هذا التشابه ينبغي أن يصبح بمثابة وقفة للتفكير لنا جميعاً.

ففي 21 مارس 1960، قتلت قوات الأمن في جنوب أفريقيا 69 شخصاً من المحتجين على قوانين التمييز العنصري التي تم تمريرها، فيما يعرف باسم مذبحة شاربفيل، والتي تسببت في غضب شديد حول العالم.

وكانت حكومة بورما من بين الدول التي طالبت مجلس الأمن الدولي بفضح مذبحة شاربفيل. وبالتالي كانت حكومة التمييز العنصري غاضبة ومصرة على أن تركيز الانتباه على الشئون الداخلية لجنوب أفريقيا يمكن أن يشكل "أخطر سابقة من نوعها". لحسن الحظ، رفض مجلس الأمن تهديد السفير الغاضب، وانتقد قرار مجلس الأمن رقم 134 الصادر في 1 إبريل 1960 "عمليات القتل واسعة النطاق للمتظاهرين العزّل السلميين"، ودعا حكومة جنوب أفريقيا بالتخلي عن التمييز والفصل العنصري. وباختصار، فقد سادت العقلانية والإنسانية على الوضع في النهاية.

وبعد مضى قرابة النصف قرن على هذا المشهد، فإن مزيجاً من شجاعة شعب جنوب أفريقيا مع التضامن الدولي لقضيتهم أصبح السبب وراء الانتصار الباهر لحريات جميع مواطني جنوب أفريقيا. ففي عام 2007، تم الترحيب بجنوب أفريقيا الجديدة كعضو جديد في مجلس الأمن، وسط آمال كبيرة لما يمكن أن تحققه هذه الدولة الجديدة.

وفي 12 يناير 2007، عُرِض مشروع قرار على مجلس الأمن بالأمم المتحدة، يدين القمع والعنف في بورما (ميانمار).

ومع ذلك، لم يتلقى شعب ميانمار من حكومة جنوب أفريقيا نفس التضامن الدولي الذي تلقاه الشعب الجنوب أفريقي من حكومة ميانمار في عهد التمييز العنصري. بل بدلاً من ذلك، انضمت قوات بريتوريا لقوات موسكو وبكين لتحصين المجلس العسكري الحاكم في ميانمار ضد المراقبة الدولية.

ووجه سفير جنوب أفريقيا الديموقراطية آن ذاك خطاباً شديد اللهجة مشابهاً للخطاب الساخط الذي وجهه من سلفه في حكومة القمع العنصري في عام 1960، حيث قال سفير جنوب أفريقيا الديمقراطية أن إدانة عنف المجلس العسكري "لا يتناسب مع ولاية الميثاق"، بسبب تركيزه على الشؤون الداخلية. وأوضح السفير أن هذا الأمر كان سببا "أساسيا" للتصويت على القرار بالرفض. فيما تباهت الحكومة بعد ذلك بأن موقفها في مجلس الأمن أثبت أنه كان "صادقا في حد ذاته".

ولم تكن جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة بين القوى الناشئة التي تتعامل مع التضامن العالمي كأمرٍ لا يعنيها.

حيث تفخر الهند بدورها كمؤسس لحركة عدم الانحياز، والتي أنشئت في عهد اعتقدت فيه القوى العظمى – الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي – أن العالم ملك لهم ولهم وحدهم. ومع ذلك، فقد أصبحت "عدم الانحياز" الآن مرادفاً "لغض الطرف عن الانتهاكات التي تحدث في مكان أخر".

على الرغم من كل هذه التحديات، فأنا على ثقةٍ بأن التاريخ يأخذنا في منحى مختلف حالياً.

فيقودنا صخب المجتمع المدني في حديثه عن القيادة إلى اتخاذ مواقف أكثر أخلاقية، على نحو فشلت الحكومات في تطبيقه على مدى السنوات الماضية. وفي بعض الأحيان، يكون النصر جديراً بالاهتمام.

في عام 2008، أجبرت النقابات العمالية حكومة جنوب أفريقيا على تراجع مهين عن قيام سفينة صينية تحمل أسلحة إلى موغابي زيمبابوي بتفريغ حمولتها في جنوب أفريقيا. فقد وافقت حكومة جنوب أفريقيا على ذلك، ولكن الشعب قال لا. أما السفينة، فقد اضطرت للعودة إلى الصين بعد محاولات باءت بالفشل لتفريغ حمولتها في مكانٍ آخر.

على النقيض من دورها في أسلحة زيمبابوي في عام 2008، فقد لعبت جنوب أفريقيا دوراً إيجابياً في محادثات أدت إلى اتفاق بشأن معاهدة تاريخية جديدة لتجارة الأسلحة عالمياً في إبريل 2013. هذه المعاهدة التي سيبدأ التوقيع عليها في الثالث من يونيو، يمكنها أن تحظر بيع الأسلحة إلى الدول التي يحتمل أن يحدث بها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

كما أظهرت الهند أيضاً تحولاً عن موقفها، فمنذ أربع سنوات مضت، لعبت الهند دوراً مخزياً في تمرير قرار بشأن سريلانكا في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، والذي لم يمتنع فقط عن انتقاد الحكومة السريلانكية، بل ذهب لأبعد من ذلك بالثناء على الحكومة السريلانكية لسلوكها في المراحل الأخيرة من الحرب في عام 2009، بما في ذلك ما وصفه تقرير الأمم المتحدة في وقت لاحق بأنه " اعتداء خطير من قِبَل النظام بأكمله على القانون الدولي".

وبحلول عام 2012، تحركت الأمور قدماً. فقد حدث غضب في البرلمان الهندي رداً على بث وثائقي عن القتل الميداني في سريلانكا في التلفاز.

ونتيجة لهذا الضغط المحلي، صوتت الهند لصالح القرار الحاسم في الأمم المتحدة في جنيف في الأسبوع التالي، في تناقض واضح لموقفها في عام 2009.

ثم تكرر نفس النمط في نفس العام، فقد جمعت منظمة العفو الدولية في الهند مليوني توقيع طالب فيها الموقعون بمساءلة سيريلانكا عن الأحداث قبل جلسة مجلس حقوق الإنسان في شهر مارس. فتحركت الهند وصوتت لصالح هذا القرار الحاسم، والذي قد يكون له عظيم الأثر في التمهيد لقمة الكومنولث المقرر انعقادها في سريلانكا في نوفمبر.

 

كذلك، فقد تعرض الشعب البرازيلي أيضاً للتعذيب والعنف على يد النظام العسكري بين عامي 1964 و1985. وعلى الرغم من ذلك، فقد بدت البرازيل في السنوات الأخيرة على استعداد تام لتجاهل معاناة الشعوب التي تواجه القمع في بلدان أخرى.

ولكن هنالك أيضاً، شهدنا تحولاً كبيراً. حيث صوتت البرازيل في عام 2011 لتعيين مقرر خاص لحقوق الإنسان في إيران. وفي عام 2013، صوتت من أجل لجنة للتحقيق بشأن كوريا الشمالية. كلا التصويتان يمثلان تغيراً صغيراً لكن مرحباً به، بدلاً عن ممارسات غض الطرف السابقة.

 

حتى في سوريا، حيث لعبت روسيا والصين دوراً واضحاً في منع إدانة مجلس الأمن للنظام السوري القائم، غيرت دول مجموعة الإيبسا وهي الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا إلى حد ما من لهجتها. حيث كانت الدول الثلاث أعضاء في مجلس الأمن في عام 2011، كما كانت الهند وجنوب أفريقيا أيضاً أعضاء في عام 2012. ولكن عزوف هذه الدول عن التحدث عمّا يحدث في سوريا، ساعد في إعطاء غطاء لموسكو وبكين.

مع ذلك، فقد شهدنا هنا أيضاً تحولاً مدفوعاً جزئيا من قِبَل الضغوط المحلية. حيث ساعدت حملة عامة في قمة دول البريكس – البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا – في مدينة دربان عام 2013 في التأكد من اشتمال سوريا في بيانهم النهائي ووصول المساعدات بشكلٍ كامل إلى سوريا، وهو الأمر الذي تم منعه حالياً.

الأهم من ذلك كله، أن بعض القوى الناشئة لم تلعب دوراً داعماً فقط، بل لعبت دوراً رائداً في مجال حقوق الإنسان.

ففي تطور تاريخي، قامت البرازيل وجنوب أفريقيا عام 2011، بدور رئيسي في دعم قرار مجلس الأمن بشأن انتهاكات حقوق الإنسان حول الميول والهوية الجنسية.

وفي اقتراح مشروع قرار عن حقوق المثليين، المتحولين جنسياً وثنائي الجنس، أضافت جنوب أفريقيا أن " لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز من أي نوع". في حين دعت البرازيل المجلس إلى "فتح أبواب الحوار المغلقة منذ زمن طويل للحوار". كان ذلك مثالاً هاماً للقيادة الحقيقية، خاصة في سياق مقاومة الحكومة لمثل هذه الأفكار على نطاق واسع. وقد كان لهذه القيادة فوائد هامة لا تزال تموج في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك سلسلة من الاجتماعات الإقليمية في الأشهر الأخيرة.

كما تمت عدة مرات مناقشة وتأجيل إصلاح مجلس الأمن بحيث يعكس تكوينه بطريقة أفضل عالم القرن الحادي والعشرون. ولكن حتى قبل الموافقة على هذه الإصلاحات، فقد تغير ميزان القوى بشكل واضح.

ففي جميع أنحاء العالم، يجب علينا أن نأمل في التوصل إلى تفهم أكبر لحقيقة أن القوى الناشئة الجديدة تجلب مسئوليات جديدة لحقوق الإنسان. فتحديد مواقفك السياسية الخارجية بأنها مجرد ما لا تريده غيرك من البلاد أن تفعله هو بالفعل وصفة دبلوماسية خطيرة.

ما نحتاجه الآن – من كل الحكومات، شمالاً وجنوباً – هو أن تتوقف تلك الحكومات عن اتخاذ القرارات على أساس المصالح السياسية الضيقة، والتفكير بدلاً من ذلك في الشعوب الأكثر تضرراً.