قطاع النسيج والموضة في تركيا: إزدهار إقتصادي يخفي استغلالا لللاجئين السوريين


عانى الشعب السوري لمدة ثماني سنوات من الحرمان والسّلب. بالنسبة للبعض، تعتبر قصص الربيع العربي المحملة بالأمل والمقاومة السلمية، سببا في الخصاصة وصراع البقاء. وقد حاول جزء كبير من السوريين تغيير هذا المصير المأساوي بالهجرة إلى الدولة التركية المجاورة التي استقبلت حوالي ثلاث ونصف مليون لاجئ منهم 650 ألف عاملا وجدوا في صناعة الملابس للعلامات التجاريّة العالميّة، مورد رزق ومُسْتَقَرٌّ الى حين.

لكن تمركزهم في صناعة قائمة، أساسا، على اليد العاملة، تجعلهم عرضة للاستغلال الفاحش ولا تمنحهم خيارات بديلة.

أكّد الاتّحاد الأوروبي – خلال اتفاقيّة، مثيرة للجدل، مع تركيا سنة 2017 -  التزامه بحماية اللاجئين السوريين. لكن، بالنّسبة للعاملين في قطاع صناعة الملابس، لا يمكن أن يتحقّق أيّ تحسّن في الوضعيّة بدون النظر في الأسباب الحقيقيّة التي تؤدّي الى تسهيل عمليّة استغلالهم، والدور الذي تلعبه العلامات التجاريّة الأوروبيّة، المختصّة في صناعة الملابس، في تهديد حياة العمّال.

 

صناعة الملابس في تركيا: قطاع يتنامى بظروف عمل لا انسانيّة.

يشهد قطاع الملابس في تركيا تناميا غير مسبوق. لذلك، تعدّ تركيا ثالث مزوّد للملابس الجاهزة للاتّحاد الأوروبيّ نتيجة قدرتها على إنتاج منتوج ذا جودة عالية في وقت قياسيّ بصادرات تفوق قيمتها 12 مليون دولار أمريكي سنويا. كما أن ارتفاع عدد العلامات التجاريّة على الأنترنت وتركيزها على عامل السرعة مع آجال تنفيذ تصل الى 4 أسابيع، أثّر على ديناميكية السوق وساهم في نموّه بشكل كبير.

لكن، في بلد كتركيا يعاني من ضعف التَّشْرِيعات الحامية لحقوق العمّال، يسقط نسق الإنتاج ال محموم بكلّ ثقله على كاهل العمّال (أغلبهم من النساء) في تجاهل تامّ لحقوقهم أمام النجاعة. مسألة استغلال الأطفال في العمل في تركيا، 

تظهر من خلال صيحة الفزع التي أطلقها العمّال وما تداولته وسائل الاعلام. فخلال حملة قريبة، وصلت إلى المحلاّت الأوروبيّة وهو ما يثبت أنّنا أمام مجرّد عوارض تخفي مشاكل أعمق بكثير.   

تنبع المشكلة من حقيقة أن العلامات التجارية تضع الرّبح في مرتبة أعلى من الأفراد. وتعهد بمسؤولياتها تجاه أصحاب المصانع في تركيا، مما يؤدي إلى سباق بين المورّدين فيما يتعلق بالأجور والشروط. هذا الاعتماد على مصادر خارجيّة لتلبية الطلب المتزايد على الملابس الجاهزة يجعل الأمور أكثر تعقيداً. غالبية اللاجئين السوريين يعملون لدى أصحاب مصانع غير مصرّح لهم، حيث يعملون في ظروف غير آمنة وغير صحيّة، واستغلال وعنف تُغَذِّيهِ العنصريّة والميزوجينيّة. تزايد عدد المصانع في مجال صناعة الملابس الجاهزة، يجعل عمليّة تقييم المخاطر أكثر صعوبة ويزيد من كتمان واضعاف أصوات العمال وضرب عزلة عليهم.

 

دور العلامات التجاريّة للملابس الجاهزة في استغلال العمّال: انخفاض الأسعار وتفاوت على مستوى مسالك التَّوريد

على مرِّ السنوات الثلاث الماضية، قام مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان بتحليل آليات العمل في مسالك التوريد الخاصة بقطاع الملابس الجاهزة في تركيا. ونستنتج من خلال بحثنا الأخير أنه، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها بعض العلامات التجارية لتحسين ظروف العمل، إلا أن السّعي للحصول على أسعار منخفضة وتسلّطهم على الموردين، أثناء عمليّة التفاوض، يغذّي سوء معاملة العمّال.

من خلال مقابلاتنا مع خمسة مورِّدين أتراك لعلامات أوروبية، نفهم أنّ الترتيبات قصيرة المدى مع المورِّدين تساهم في خلق فرص عمل غير مستقرّة مع ساعات إضافية. في حين أنّ التهافت على الأسعار المنخفضة، ينحدر بأجور العمّال الى مستويات متدنيّة. كما ذكر المورّدون أنهم قد أُجْبِرُوا على الموافقة على مواعيد نهائية يستحيل الالتزام بها لتأمين الطلبات  ومن ثم الاضطرار الى التعاقد مع شركات مناولة للعمل مع المصانع الأصغر وهو ما يتطلب عملا إضافيا مفرطا وعدد كبير من العمال الموسميّين.

 هذه التغييرات في الأوقات تؤدّي الى تعاقد المورّدين بالموردين مع شركات مناولة المتعاقدة مع الشركة الأم وهي شركات لا تلق بالاً لحماية العمال بل تضع أعباء الطلب على عمّالها بغاية الربح السريع. وبطبيعة الحال، فإن العلامات التجارية تعاقب الموردين على تأخر الطلبات حتى وإن كان هذا التأخير سببه الأول هو توقعات خياليّة وسرعة الإنتاج.

 

العلامات التجارية وضرورة إعادة تمثّلها لنماذج أعمالها: ما وراء تدقيق الأداء الاجتماعي ومبادرات أصحاب المصلحة المشتركة

في هذا السياق، تبدو التَّدابيراللّينة لحماية العمال غير مجدية. يتمّ استبعاد منتجي المستوى الثاني والثالث عمومًا من تدقيق الأداء الاجتماعيّ. وبالتالي، لم يتم التحقق منها لتحديد ما إذا كانت تفي بمعايير حقوق الإنسان للعلامات التجاريّة. على الرغم من أن التزام العلامات التجارية في مبادرات أصحاب المصلحة المتعددين مثل منصة ETI TURKEY قد زاد من الوعي بقضايا حقوق العمال، لا يوجد حل تقني لمشكلة ساعات العمل الطويلة ولمعضلة الأجور

بدلاً من ذلك، يجب على العلامات التجارية للملابس أن تعطي صوتًا للعمال، وتلتزم برفع الحد الأدنى للأجور والمشاركة في مناقشات أوسع حول إدراج مفهوم "الأجور اللائقة" في قلب نماذج أعمالهم. في النهاية، يجب على العلامات التجارية، أيضا، إصلاح ممارسات الشراء التعسفية الخاصة بها بشكل عاجل، بما أنّها السبب الأوّل في الاستغلال وفي تقويض جهودها لضمان الحقوق في مسالك التوريد الخاصة بها. من الضروري أيضًا عدم الاعتماد على الممارسات الطوعية للشركات الجيدة وتطوير قواعد ملزمة لجعل الشركات أكثر قابليّة للمحاسبة.

لكي يحترم الاتحاد الأوروبي التزامه بحماية السوريين في تركيا، يجب عليه أن يبني على العناية الواجبة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، بحيث تكون الشركات ملزمة قانونًا بتحديد ومنع انتهاكات حقوق الإنسان في مسالك التوريد الخاصة بها. تم تقديم مثل هذا التشريع بالفعل في فرنسا، من خلال قانون العناية الواجبة لعام 2017، والذي يفرض على الشركات وضع "خطة اليقظة" لمنع إساءة الاستخدام في مسالك التوريد الخاصة بها ويسمح للضحايا بالتوجّه للقضاء في حالات الخلاف.

تحظى المبادرات المماثلة لتعزيز مسؤولية الشركات على الدعم في هولندا وفنلندا وسويسرا وألمانيا، مما يزيد من احتمال تحمّل العلامات التجاريّة للملابس الأوروبية، المسؤولية المباشرة عن الانتهاكات في البلدان الأخرى.

بالإضافة إلى التشريعات الفعّالة لحقوق الإنسان، يجب أن يكون للعمّال (وخاصة النساء) صوت من خلال النقابات العمالية ومجموعات التضامن الإقليميّة، حتى يتمكنوا من المفاوضة الجماعية من أجل تحسين الظروف. يجب على العلامات التجارية أن تدعم بنشاط تمثيل العمَّال لتوفير أجور لائقة لعمالهم. إلى أن تتحمل العلامات التجارية مسؤولية تبعات ممارسات مخلّة بحقوق الانسان، سيستمر اللاجئون والعمال السوريون في جميع أنحاء العالم في دفع الثمن.