مقاطعة الألعاب الأولمبية لا تكفي

/userfiles/image/Keys_Image2_07-21-21.jpg

خلال السنوات الأخيرة ظهرت حقوق الإنسان ضمن ملفات الضغط المرتبطة بالألعاب الأولمبية. انعكس هذا التطور في الدعوات المتصاعدة بمقاطعة دورة ألعاب 2022 الشتوية في بكين، والتي من المقرر أن تبدأ في 4 فبراير/شباط، بسب الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان. في أبريل/نيسان، اقترحت وزارة الخارجية الأمريكية المقاطعة ثم سحبت الاقتراح. 

دعت مجموعات حقوق الإنسان ومشرّعون كنديون وهولنديون وأمريكيون إلى نقل مقر انعقاد الألعاب. يقول المنتقدون إن حملات قمع الصين المناهضة للديمقراطية في هونغ كونغ والقمع العنيف للإيغور في منطقة جينجيانغ يعني عدم استحقاق الدولة لشرف استضافة أعظم حدث رياضي في العالم.

وهناك جملة من المشكلات الأخرى، منها حقوق العمال وحقوق الرياضيين، التي تلفت الانتباه بشكل متكرر حالياً من جانب منظمات مثل هيومن رايتس ووتش، فضلاً عن منظمات جديدة مثل "مركز الرياضة وحقوق الإنسان" الذي تم تأسيسه مؤخرا.

هذه المتابعة الجديدة قد تكون غير مكثفة، لكن أغلب مجموعات الضغط ترى الأولمبياد بشكل به إشكاليات: فهي تبدأ بقبول الافتراض الأساسي بأن الألعاب الأولمبية قوة للخير وحقوق الإنسان وأن الاثنين سواء. يعزز هذا من الدعاية التي يبثها منظمو الألعاب، اللجنة الأولمبية الدولية، بأن هذه الفعالية الرياضية الباهظة الكلفة للغاية تعزز السلام العالمي والصداقة الدولية والديمقراطية والمساواة ومواجهة العنصرية وتحسن أحوال المدن المضيفة.

على سبيل المثال تضم رسائل السيناتور ريك سكوت الأخيرة حول دورة ألعاب 2022 الإشارات التقليدية إلى "تاريخ [اللجنة الأولمبية الدولية] في الوقوف ضد منتهكي حقوق الإنسان" و"العجب الذي يظهر دائما ويجب الاستمرار في الحفاظ على وجوده، انطلاقا من الألعاب الأولمبية".

لهذا النهج أثرين سيئين. أولاً، هو يعمق من الفهم المغرور للنخب التي تدير الصناعة الأولمبية بأنهم يحسنون ما يفعلون. فالقيادة العليا للجنة الأولمبية الدولية – المسؤولون عن منظمة ثرية للغاية وقوية للغاية وغير خاضعة للمحاسبة – ليس لديها أسباب للتساؤل حول خطابهم المبالغ فيه والذي ليس له أساس من الصحة بينما العالم يؤيد منطلقاتهم الفكرية.

رغم عدم وجود أدلة إطلاقاً على أن الألعاب مفيدة في التحليل الأخير للعالم بعد حساب ما لها وما عليها، فإن قادة اللجنة الأولمبية مقتنعون كل الاقتناع بأن تلك الفعالية ضرورية للاحتفال بالسلام والصداقة. كما كانت القوى الاستعمارية تبرر الاستغلال بناء على وجود "مهمة بث الحضارة"، فإن اللجنة الأولمبية تؤمن بأن مسعاها الأسطوري يبرر التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي تستهلكها الألعاب.

وتوجيه المطالبات إلى اللجنة الأولمبية وكأن الإصلاح مسألة تقتصر على تهذيب وتشذيب بعض العيوب الخفيفة، يعمق من هذه الأسطورة الضارة. عندما يكرر الفاعلون الخارجيون عبارات ساذجة عن "المُثل الأولمبية"، فهم يقللون من احتمالات أن تعمل اللجنة الأولمبية على إحداث تغيير حقيقي.

المشكلة الثانية هي أن قبول الأساطير الأولمبية يخفي الواقع القائم، بأن انتهاكات حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من نسيج الألعاب. فالتكاليف الرهيبة للاستضافة، التي تتجاوز 10 مليار دولار نفقات مباشرة، تقلل من مراعاة الحقوق إذ تؤدي هذه التكاليف إلى تآكل التمويلات العامة التي كانت لتذهب إلى تعزيز الخدمات الاجتماعية لولا إنفاقها على الألعاب. القمع المباشر يصاحب أيضاً الألعاب، في صورة إخلاءات جبرية، وقمع حرية التعبير والتجمع، ونزوح المشردين غير المقيمين في بيوت.

وتاريخياً وفي الحاضر، أدى السعي لإحراز الميداليات إلى إساءات بحق الرياضيين. تقيد اللجنة الأولمبية حق الرياضيين في حرية التعبير. والفعاليات الرياضية نفسها غير ديمقراطية، ولنأخذ مثالاً أن أغلب اليابانيين لا يرغبون في الذهاب إلى ألعاب طوكيو التي ستنعقد في خضم الجائحة.

إن تاريخ جهود حقوق الإنسان المحيطة بالألعاب الأولمبية هو في أغلبه تاريخ من الفشل. في "الأولمبياد النازية" عام 1936، صدرت دعوات بالمقاطعة ولكن لم يلتفت إليها أحد. وفي عام 1968 قامت الحكومة المكسيكية خوفاً على صورتها وهي تحضر لاستضافة الألعاب، بقتل مئات المتظاهرين من الطلاب في مذبحة تلاتيلولكو. وألعاب موسكو 1980 شهدت حملة قمعية عنيفة على المعارضين للاتحاد السوفيتي. ونجحت هيومن رايتس ووتش في إحباط جهود بكين لاستضافة دورة ألعاب 2000 بسبب مذبحة ميدان تيانمين، لكن لم يزد هذا عن إرجاء الاستضافة الصينية عدة سنوات. عندما عقدت بكين الدورة الأولمبية في 2008، كانت النتيجة هي زيادة القمع والالتفاف حول توقعات المتفائلين الذين قالوا لنا أن الألعاب الأولمبية ستساعد في تحرر الصين.

حتى المضيفين الديمقراطيين للأولمبياد أصبحوا أكثر سلطوية عندما استضافوا الألعاب. يحب المناصرون للأولمبياد الإشارة إلى إقصاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، الذي تم فرضه على اللجنة الأولمبية بين 1964 و1988، ودورة ألعاب سيول عام 1988 عندما تزحزحت ديكتاتورية بارك جزئياً بحسب بعض التقديرات بفضل تسليط الأضواء الأولمبية على كوريا، ما أدى إلى إصلاحات ديمقراطية، لكن هذه استثناءات قليلة ضمن تاريخ طويل من فعاليات رياضية عظمى عززت من أشكال اللامساواة والظلم الكبرى واليومية على السواء.

يعرف طلاب الأولمبياد جيداً هذا التاريخ العكر، لكن دارسي حقوق الإنسان لا يعرفونه، جزئياً لأنه حتى وقت قريب لم تفحص حركة حقوق الإنسان الألعاب الأولمبية فحصاً جيداً. دارسو الرياضة يكتبون منذ زمن طويل عن تكاليف الاستضافة وطمع الشركات والفساد والعنصرية والتمييز الجنسي والانتهاكات بحق الرياضيين والعاملين، لكن نادراً ما وضعوا هذه القضايا في أطر حقوق الإنسان.

وفي الوقت نفسه، فإن ازدهار الحركة الأكاديمية حول حقوق الإنسان لم تلامس قضية الرياضة بشكل فعال، رغم الآثار العالمية للفعاليات الرياضية الكبرى. مع توسع تاريخ حقوق الإنسان الجديد، فمن الممكن أن يساعد هذا في إنهاء أسطرة الأولمبياد وتقديم تصورات انتقادية تصحيحية للتصورات السائدة حول الألعاب.

المطلوب هو إعادة التفكير في الجذور والفروع فيما يخص هذا الأمر، بدءاً من الواقع لا الخيال. الحديث العاطفي عن كيف تعزز الأولمبياد السلام وترعى روح الصداقة العالمية وتكافح التمييز، يجب تنحيته لصالح حسابات قائمة على الأدلة للتكاليف الاجتماعية والبيئية والمالية لاستضافة الفعاليات وكيف يعامل الرياضيين، منذ تواجدهم في مواقع التدريب وحتى وصولهم إلى منصات التتويج بالميداليات.

إن التقليد الخاص بنقل الأولمبياد من مدينة إلى مدينة كل مرة يتطلب مشروعات بناء وتشييد هائلة التكاليف، ويجب إعادة النظر من ثم في هذا الأمر. التدابير المتواضعة التي اتخذتها اللجنة الأولمبية لتقليل التكاليف ليست إلا خطوات ضئيلة للغاية في الاتجاه السليم، ولابد من الكثير من البحث والتحقيق في كيف تستخدم هذه النخبة الصغيرة للغاية سلطاتها وتوزع وتستثمر ملياراتها. الجدل حول دورة طوكيو ودورة بكين أمر يتيح للحكومات والأمم المتحدة الفرصة للوقوف أمام اللجنة الأولمبية، واستخدام المقاطعة للمطالبة بسبل جديدة لتوزيع الأرباح الهائلة من الاستغلال التلفزيوني وصفقات الرعاية الرياضية والإعلانية. إن الأفكار القديمة القائلة بأن الأمم المتحدة هي الجهة المستحقة للإشراف على الألعاب يجب أن تخرج من جديد: حتى ولو كانت مؤسسة ضعيفة الخضوع للمساءلة وشفافة جزئياً، فهي أفضل من جهة غير مسؤولة أمام أحد بالمرة وغرورها بلا حدود.

إن تصاعد ضغوط حقوق الإنسان في الأولمبياد هو خطوة في الاتجاه الصحيح. فالخطر يتمثل أنه في التهوين من شأن المهمة التي نحن بصددها، قد تُرسخ جهود حقوق الإنسان وتزيد من قوة مؤسسة تعاني من مشكلات كبرى، بدلاً من انتزاعها من جذورها.