هويات في خطر: الرقابة على محتوى مجتمع الميم على الإنترنت في شتى أنحاء العالم

إذا كنت في الإمارات العربية المتحدة، وأردت تصفّح موقع GLAAD أو موقع "هيومن رايتس كامبين"، فقد يخيب مسعاك؛ فسوف تجد بدلًا من هذين الموقعين الخاصين بمنظمات تناصر حقوق مجتمع الميم إخطارًا بأن الموقعين محظورين. وإذا كنت في البحرين أو السودان أو الإمارات أو اليمن وحاولت إجراء بحث مُشفر على "غوغل" دون استخدام كود HTTPS لكلمة "مثلي" أو "مثلية"، فسوف تكون النتيجة هي صفحة محظورة. وستواجه العقبات نفسها إذا كنت في أفغانستان أو الكويت وحاولت الاطلاع على مدونة "فانغارد" الخاصة بمركز مجتمع الميم في لوس أنجلس.

ما هو الخيط الذي يجمع هذه الأمثلة معًا؟ إنّ سبب هذا الحجب في الحالات كافة هو استخدام هذه الدول لنفس تقنية الفلترة التي أنتجتها شركة "نت-سويبر" الكندية، لمنع الاطلاع على محتوى تحميه الأطر الدولية لحقوق الإنسان.

عادة ما تُستخدم تكنولوجيا فلترة شركة "نت-سويبر" في الحدّ من، ومنع الوصول إلى، مواقع بعينها تُعتبر غير لائقة. ففي المدارس، يمكن استخدام هذه التكنولوجيا في منع تصفح المواقع الجنسية، ويمكن استخدامها في مقار العمل للحد من تصفح الموظفين لمواقع التواصل الاجتماعي. لكن عندما تقع هذه التكنولوجيا في يد الحكومات السلطوية التي تسيطر على قدرات الإنترنت في دولة بأكملها، فهي تؤدي أدوارًا مقلقة للغاية.

لقد نشر "سيتزن لاب" تقريرًا في أبريل/نيسان 2018 تبين منه تنصيب برمجية "نت-سويبر" في شبكات 30 دولة. وتوصلنا إلى استخدام هذه التكنولوجيا في فلترة باقة عريضة من المحتوى، بما يشمل المواقع السياسية ذات الطابع الانتقادي، ومواقع الإعلام المستقل، ومحتوى ديني. وتوصلنا في حالة خمس من الدول إلى وجود حجب محتوى متصل بمجتمع الميم. إن قائمة الصفحات المحجوبة طويلة، وتضم مواقع أخبار تخص مجتمع الميم، ومواقع ثقافية، ومواقع لمنظمات فيروس نقص المناعة المكتسبة/الإيدز، ومواقع منظمات مناصرة مثل الاتحاد الدولي للمثليات والمثليين ومزدوجي التفضيل الجنسي ومتحولي الجنس وحاملي صفات الجنسين (ILGA).

وفي حالات أخرى، تبين لنا أنه قد تم تصنيف محتوى يخص مجتمع الميم بالخطأ على أنه موقع "بورنو" رغم أنه لا يعتبر من المواقع الجنسية، وهي مسألة مُقلقة بصفة خاصة نظرًا لأن مواقع البورنو هي من بين المواقع الأكثر عُرضة للحجب عمومًا. إن هذا التصنيف الخاطئ لمحتوى يخص مجتمع الميم يسلط الضوء على تبعات عمليات التصنيف الأوتوماتيكية التي تسيئ تصنيف كلمات مفتاحية معينة، ومن ثم تخلط بين المحتوى الخاص بالصحة الجنسية والمحتوى الجنسي.

ومما يثير القلق بصفة خاصة، وجود قرائن على حجب بعض المواقع في الإمارات، نتيجة لتصنيف برمجية "نت-سويبر" لها ضمن تصنيف "أنماط حياة بديلة". ويشمل هذا التصنيف بحسب وصف الشركة "... سائر الممارسات والاهتمامات والتوجهات الجنسية غير التقليدية".

هذا البند من تصنيفات المواقع إشكالي للغاية؛ إذ يبدو أن غرضه الوحيد هو تسهيل حجب مواقع مجتمع الميم غير الجنسية. إننا نعرف أنه ربما ليس بإمكان شركة فلترة محتوى إنترنت مثل "نت-سويبر" ضمان ألا يستخدم الزبائن منتجها في فلترة محتوى مجتمع الميم أو غير ذلك من صنوف المحتوى الذي تحميه القوانين والمعاهدات. لكن على هذه الشركات ألا تيسّر الفلترة السهلة لمثل هذا المحتوى عن طريق إنشاء تصنيفات محتوى من قبيل "أنماط حياة بديلة".

ولهذا الحجب الممنهج والمنتشر للمحتوى عدة آثار سلبية، وهو يسهم في زيادة وصم مجتمع الميم في بلدان يشهد أفراد هذا المجتمع فيها بالفعل الكثير من التمييز. فعن طريق حجب مواقع منظمات الإيدز، يمكن أن تحد برمجية "نت-سويبر" من قدرة الاطلاع على معلومات صحية كفيلة بإنقاذ الحياة. وتشير البحوث أيضًا إلى أن شبكة الإنترنت تتيح مساحات آمنة لأعضاء مجتمعات الأقليات، يمكنهم من خلالها التواصل وتبادل الموارد، وتكوين روابط اجتماعية قوية. وسوف يجد الكثير من أعضاء مجتمع الميم أنفسهم في عزلة أكبر في غياب مثل هذه المساحات، في بلدان تحكمها نُظم تجرّم وجودهم في حد ذاته. وعلى مستوى أكبر، فإن حجب المنافذ الإعلامية المتنوعة التي تتيح وجهات نظر مختلفة يعني أن يبقى الحوار المجتمعي إزاء التوجه الجنسي والهويات الجنسية راكدًا، ما يعني ركود التقدم على مسار التقبل المجتمعي لمجتمع الميم.

ومن وجهة النظر القانونية، فإن استخدام تكنولوجيا "نت-سويبر" في حجب محتوى مجتمع الميم على الإنترنت يثير المخاوف إزاء انتهاك عدد من الحقوق المحمية دوليًا، ومنها الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في التماس واستقبال وإرسال المعلومات والأفكار بكافة أنواعها، والحق في عدم التعرض للتمييز.

إنّ الدول تتحمل التزامًا قانونيًا بحماية الحق في حرية التعبير لجميع الأفراد من مجتمع الميم، وعليها أن تضمن ألا تكون أي قيود على هذه الحقوق تمييزية. وبموجب مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان، فعلى الحكومات جميعًا – ومنها الحكومة الكندية – التزام بحماية حقوق الإنسان من انتهاكات القطاع الخاص، بما يشمل "أن تعلن بوضوح توقعها من جميع المؤسسات التجارية المقيمة في إقليمها و/أو ولايتها القضائية أن تحترم حقوق الإنسان في كل عملياتها"، بما يشمل عملياتها خارج أراضي الدولة. غير أنه وفي حالة "نت-سويبر"، قدمت الحكومة الكندية دعمًا ماليًا ومساندة للشركة من خلال البعثات الدبلوماسية التجارية الخاصة بالدولة، وهي مستمرة في تقديم الدعم التجاري لها.

كما أنه وبموجب نفس المبادئ التوجيهية، فشركات مثل "نت-سويبر" تقع عليها مسؤولية مستقلة باحترام حقوق الإنسان المتعارف عليها دوليًا. وفي حين أنه ربما كان لدى الدول العشر التي ذكرناها أطرًا قانونية تسمح بهذه الرقابة على الإنترنت، فهذا لا يحل الشركات التي لها عمليات في هذه الدول من الالتزام بالقانون الدولي. فالمبادئ التوجيهية تنص على أن هذه المسؤولية المترتبة على الشركات تسري بشكل "يسمو على الالتزام بالقوانين والأنظمة الوطنية لحماية حقوق الإنسان".

وقد أظهرت بحوثنا وجود آثار سلبية كبيرة لاستخدام منتجات وخدمات "نت-سويبر" على حرية تعبير أفراد مجتمع الميم وقدرتهم على الوصول إلى المعلومات. إلّا أنّه لا يبدو أن "نت-سويبر" قد استوفت مسؤوليتها إزاء احترام حقوق الإنسان أثناء اضطلاعها بأنشطتها وأعمالها؛ إذ ليس لدى الشركة تعهد مُعلن بالسياسات الخاصة بالجمهور، أو إعلان بجهودها إزاء عملية إيلاء العناية الواجبة، أو إعلان بما تتخذه من تدابير إزاء حقوق الإنسان.

وتوجد سوابق بشركات طوّرت تقنيات للرقابة على الإنترنت واتخذت في الوقت نفسه تدابير ملموسة للحدّ من آثار منتجاتها وخدماتها على مجتمع الميم في أنحاء العالم. ففي عام 2011 أعلنت شركة "لايت-سبيد سيستمز" – التي تطوّر خدمات فلترة إنترنت لأغراض تعليمية – أنها سوف تُلغي تصنيف محتوى "تعليم.أنماط حياة" الذي كان يُستخدم في حجب معلومات تعليمية متصلة بمجتمع الميم. وقامت شركة "بلو كوت سيستمز" مثلها – في عام 2013 – بإعلان اعتزامها إلغاء تصنيف "LGBTQ" من مُنتجها "ويب-فلتر". كما أدلت شركات أخرى تُطور تقنيات فلترة للإنترنت بتصريحات علنية حول ممارساتها الخاصة بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، ومنها شركات "جونيبر نتوركس" و"سيمانتك" و"فورس-بوينت".

ونظرًا لتداعيات هذه التكنولوجيا على مجتمعات الميم والفئات الأخرى المتضررة من هذه الرقابة على الإنترنت؛ يتعين على الدول ضمان ربط دعمها المالي والتجاري للشركات بالتزام تلك الشركات بحقوق الإنسان. كما يجب على الشركات اعتماد آليات لتقييم آثار منتجاتها وخدماتها على حقوق الإنسان ووضع آليات للحدّ من هذه الآثار.