المسؤولية عن الحماية – عائق وليس مساعدة في الأزمة السورية

إن مبدأ المسؤولية عن الحماية تم تطويره لتحقيق توافق في الآراء لصالح العمل الدولي لمنع أو إيقاف الفظائع الجماعية. لقد فشل بالقيام في ذلك في سوريا. ولكن الأسوأ من ذلك، هو ان الدعم الضمني الذي يقدمه المبدأ للتدخل دون موافقة من الأمم المتحدة قد ساهم في شلل المجتمع الدولي للرد بشكل فعال على أزمة حقوق الإنسان في سوريا. إن إعادة بناء توافق آراء دولي للتصرف ضد الفظائع، سيتطلب إعادة التفكير في المسؤولية عن الحماية وفي الحلول العسكرية الوهمية التي يقوم بتوفيرها.

النقاش المألوف

إن اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول، والتي كانت الاولى في اقتراح مبدأ المسؤولية عن الحماية، تجادلت كثيراً بأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لديها مسؤولية للتصرف لمنع الفظائع، وقدمت إطار عمل لتوجيه المناقشات حول كيفية القيام بذلك بصورة جماعية وفعالة. وكان الهدف هو تغيير شروط النقاش ‘القديم’ المتعلق بالتدخل الإنساني، والتي برزت في تحضيرات تدخل منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في كوسوفو. وتميز هذا الجدال بالتأكيد على الحق بالعمل من جانب واحد، وقام بخلط الدوافع الإنسانية للتدخل مع استراتيجيات أخرى وأهداف أمنية أوسع.

ولكن، فيما يتعلق بسوريا، فإن المسؤولية عن الحماية قد تغيرت قليلاً. فليس الأمر فقط أنه لم يتم اتخاذ أي إجراء فعال لوقف الفظائع المستمرة، ولكن شروط النقاش حول احتمالية التدخل العسكري ما برحت تذكرنا بشكل مخيف بالتسعينات. وقامت حكومة المملكة المتحدة بإصدار مبرر قانوني للقيام بالتدخل العسكري نقلاً عن  "مبدأ التدخل الإنساني"، وبصورة أو بأخرى كررت الحجج السابقة لتبرير عمل منظمة حلف شمال الأطلسي في كوسوفو. وبصورة مماثلة، لم يقم الرئيس أوباما أو كبار المسؤولين في الولايات المتحدة بوضع إطار لحالتهم لتوجيه ضربة عسكرية في إطار عمل المسؤولية عن الحماية، والذي يتطلب بأن يكون هدف حماية أرواح المدنيين هو الهدف الرئيسي لأي تدخل مبرر في نطاق المسؤولية عن الحماية. وفي الواقع ترتكز حجتهم في المقام الأول على مفهوم توجيه ضربة عقابية لردع سوريا أو أية دولة أخرى من استخدام أسلحة الدمار الشامل. وهذا من الممكن أن يكون لصالح المدنيين الذين سيعانون فيما لو تم استخدام تلك الأسلحة مرة أخرى. ولكن كما أوضح الرئيس أوباما في خطابه في 10 سبتمبر، والذي كان يهدف أيضاً إلى إرسال رسالة إلى إيران وغيرها ممن يمكن أن يحصلوا على أسلحة الدمار الشامل أو يقومون باستخدامها– رسالة ترتكز في المقام الأول على المشاغل الاستراتيجية، وليس الإنسانية. تماماً كما كان الحفاظ على مصداقية حلف شمال الأطلسي ما دفع التحالف إلى الحرب في كوسوفو، فمصدر قلق مماثل يتعلق بمصداقية الولايات المتحدة التي سوف تبرز فيما لو قامت الولايات المتحدة بمهاجمة سوريا.

الانحدار الزلق للمسؤولية عن الحماية

إذا ما كانت المسؤولية عن الحماية توفر القليل من المساعدة في حل الأزمة السورية، فإنها في الوقت ذاته تثبت عائقاً. إن احتمالية التدخل العسكري في سوريا دون موافقة الأمم المتحدة والذي تم إثارته في وقت مبكر من قِبل العديد من المسؤوليين الغربيين –أدت إلى تصلب المعارضة حول اتخاذ إجراءات أخرى في الأمم المتحدة وقوضت من الدعم الموحد لجهود الوساطة لحل النزاع، وهو الخيار الوحيد الذي من الممكن أن ينهي هذا الصراع في الأجل القصير.

وكما أقرته الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في 2005، يتطلب مبدأ المسؤولية عن الحماية أن تحصل الدول المستعدة للتدخل على موافقة مجلس الأمن، كما فعل حلف شمال الأطلسي في البوسنة في 1994ـ1995 وفي ليبيا في 2011.  بيد أن النسخة الأكثر جرأة من المسؤولية عن الحماية تؤكد على شرعية التدخل لوقف الفظائع حتى دون موافقة من مجلس الأمن. والمقترح الذي قدمته اللجنة الدولية المعنية بالتدخل وسيادة الدول في 2001 تطـّلب موافقة من مجلس الأمن، إلا أنه ترك المجال مفتوحا أمام احتمالية أن هنالك بعض الحالات التي يكون فيها التدخل “مشروعا” حتى دون الحصول على موافقة الأمم المتحدة. وهذا الجدل تم استخدامه من قبل العديدين لتبرير الهجمات الجوية التي قامت بها حلف شمال الأطلسي على كوسوفو في 1999.

على ضوء الدعم الروسي في الأمم المتحدة لنظام الأسد، انها تلك النسخة الأكثر جرأة من المسؤولية عن الحماية وحادثة كوسوفو لتطبيقها، ما تُذكرمن اجل دعم الحجج حول شرعية العمل العسكري في سوريا. ومثل هذه الحجج تم إثارتها بالفعل في عام 2012 (من قِبل، من بين آخرين، وزير خارجية المملكة المتحدة). إن الولايات المتحدة وحلفاءها – على الرغم من حذرهم حتى مؤخرا من استخدام القوة –يؤكدون على حقهم في القيام بذلك إذا ما قام مجلس الأمن باعتراض سبيلهم. (وهذا كان مفهوم ضمنا في “الخطوط الحمراء” التي وضعها الرئيس أوباما في 2012). وعلاوة على ذلك، فإن الاتجاه الذي من الممكن أن تتخذه الولايات المتحدة وحلفاءها للتحايل على المجلس تعزز عندما قامت روسيا، والبرازيل، وجنوب أفريقيا وغيرهم بالإعراب عن القلق أن موافقة الأمم المتحدة على العملية التي قامت بها منظمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا من الممكن أن يتم إساءة استخدامها لإحداث تغيير في النظام.

وباختصار، فإن التهديد الكامن في اللجوء إلى القوة خارج سيطرة الأمم المتحدة خيم على الأزمة السورية تقريبا منذ البداية. ويمكن القول، إن ذلك جعل من الصعوبة بمكان الحصول على موافقة الروس والصينيين على اتخاذ تدابير أخرى. فعلى سبيل المثال، يستطيع مجلس الأمن إحالة الحالة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو فرض الحظر المسلح أو العقوبات المالية المحددة الأهداف، وحظر السفر وغيرها من العقوبات ضد أفراد من نظام الأسد. العقوبات الوحيدة التي تم اتخاذها حتى الآن ضد سوريا تم فرضها من قبل الهيئات الإقليمية أو الدول التي تعمل بشكل منفرد، بيد أنها غير عالمية في نطاقها. وبالتأكيد، فإن مجلس الأمن لم يتخذ تقريبا أي إجراء في سوريا. وربما لا توجد أي حرب أهلية أخرى بمثل هذه الشدة والفتك في العقدين الماضيين التي تم إهمالها من قبل مجلس الأمن بهذا الشكل.

بطبيعة الحال، إن الدعم شبه الإجرامي الذي تقدمه روسيا لنظام الأسد هو جزء من التفسير. بيد أنه لا يمكن أن يكون التفسير الكلي. ففي الصراع البوسني، تم الإعراب كذلك عن الدعم الروسي للموقف الصربي، غير أن ذلك لم يمنع روسيا من تأييد عمل الأمم المتحدة لإنشاء محكمة جنائية دولية، ولإنشاء منطقة حظر الطيران، وفي نهاية المطاف، بمنح الموافقة لحلف شمال الأطلسي بشن هجمات جوية ضد مواقع صربية كانت تقوم باستهداف المدنيين. ولم يكن أياً من ذلك كافياً لمنع استمرار المجازر، بما في ذلك في سريبرينتسا، ولكن في الحقيقة فإن سجل عمل الأمم المتحدة في البوسنة يعتبر في صالحها بالمقارنة مع سجلها حتى الآن في سوريا.

وربما كان بوتين روسيا الجديدة الحازمة أقل استعداداً للانضمام إلى توافق غربي في الآراء للعمل. إلى جانب تفاني الصين في عدم التدخل في الشؤون الداخلية، قد يكون ذلك كافياً لمنع أي نوع من التصرف من أجل حماية حقوق الإنسان في سوريا. ولكن لو كان أحد أو كلا التفسيرين حقيقياً، فكيف يتم تفسير استعداد البلدين للمصادقة – أو على الأقل عدم منع –دعم مجلس الأمن للتدخل الفرنسي في ساحل العاج في 2011 أو مالي في 2012، أو إحالة السودان وليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية، أو في الواقع عمل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، أو غيرها من الحالات في السنوات الأخيرة حيث استخدم مجلس الأمن سلطات الإنفاذ لحماية المدنيين؟ ولعل إن الأمر ببساطة أن الدفاع عن نظام الأسد ذو أهمية خاصة بالنسبة للروس. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتم تفسير موقف الصينيين، والتي لديها عدد قليل من العلاقات الوثيقة مع النظام؟ فمن الإنصاف أن نستنتج أن معارضة عمل مجلس الأمن في سوريا يرتكز جزئيا على الخوف من أن تكون القرارات شديدة اللهجة التي لا تؤيد العمل العسكري من الممكن أن يتم استخدامها مع ذلك لتبرير هذا العمل – وهي نتيجة مألوفة جدا من المناقشات السابقة (على سبيل المثال، حول العراق في 2003 أو كوسوفو في 1999).

 

منفعة استخدام القوة

فيما لو كانت القوة العسكرية قادرة على إيقاف الفظائع وفرض وقف إطلاق النار، فلماذا يتعين علينا الاهتمام المفرط بالحساسيات الروسية والصينية؟ الجواب على ذلك أن العمل العسكري في الشروط التي تجري مناقشتها – بما في ذلك مناطق حظر الطيران، والملاذات المحمية، أو الضربات الجوية والصاروخية المستهدفة ‘عن بُعد’ ـ يوفر القليل من الأمل في حماية المدنيين السوريين بشكل مؤثر. وذلك خصوصا على أثر أن العمل المقترح منفصل عن أي حل سياسي أو عملية تفاوض.

أولئك الذين يختلفون في الرأي أشاروا إلى الحرب الجوية التي قامت بها حلف شمال الأطلسي على كوسوفو في 1999، لكن هذا يوفر دروساً متضاربة. فالغالبية العظمى من القتلى في صفوف المدنيين في كوسوفو، والغالبية الكبرى للتطهير العرقي، حدثت بعد أن بدأ حلف شمال الأطلسي حملتها الجوية. وبينما حددت دورها في الحرب الجوية، لم يتمكن حلف شمال الأطلسي من حماية المدنيين في أرض الميدان من الانتقام والطرد، حتى مع كونها قادرة على الحد من قدرات الجيش الصربي في استخدام الأسلحة الثقيلة ضدهم. ولكن على الأقل في كوسوفوالقصف قد ارتبط بمجموعة واضحة من المقترحات لإيجاد حل سياسي، بحيث يتفهم الرئيس ميلوسيفيتش الشروط التي سينتهي بها القصف.  (وتلك لم تتضمن رحيله عن منصبه؛ وقد بقي في السلطة لمدة عام آخر حتى خسر الانتخابات).

وقد يجادل البعض بأنه يجب أن يكون موضحا للأسد منذ البداية أن حق النقض الروسي لن يوفر بالضرورة الحصانة من العمل العسكري وهذا التوضيح ضروري لتوفير رادع ذو مصداقية ضد المزيد من الفظائع. ولكن تفتقر الأدلة على أن ذلك قد تم؛ ويمكن القول، إن الوفيات في صفوف المدنيين قد تزايدت حتى بعد أن حصل الخيار العسكري على اهتمام. وقد ناقش الرئيس أوباما ووزير الخارجية  الأمريكي كيري بأن التهديد الحقيقي بالعمل العسكري دفع الأسد للمفاوضة على تسليم أسلحته الكيميائية. وقد يكونوا على حق، ولكن من غير الواضح فيما إذا كان تهديداً مؤطر على نطاق أوسع (أي ضد مهاجمة المدنيين)، من شأنه أن يحقق نتائج مماثلة، ولا قامت الولايات المتحدة بتوضيح استعدادها للقيام بمثل هذا التهديد. 

حقيقةً أن التدخلات العسكرية القسرية نادراً ما تكون استجابة مناسبة لمنع الفظائع الجماعية. وهذا على وجه الخصوص عندما لا تحظى بدعم الجهات الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك الدول المجاورة. في بعض الأحيان فإنها تكون لازمة وعملية – كما تجلت بوضوح في حالة رواندا. ولكن حقيقة الامر أن التدخل العسكري يكاد يكون بالتأكيد الحل الأفضل لوقف الإبادة الجماعية في رواندا قد يحجب الحقيقة أنه منذ رواندا كانت هناك عدد قليل من الحالات الأخرى (ولم تكن أياً منها على نفس النطاق) حيث ينطبق الشيء ذاته. وهذه على وجه الخصوص، الحالة في سوريا، حيث العمل العسكري لا يشكل جزءا من الاستراتيجية الأوسع لتحقيق وقف إطلاق النار والعودة إلى المناقشات (وبالتأكيد، في حال القيام بهذا العمل بشكل مستقل، فإنه فقط سيزيد من صعوبة الحالة).

إن حجم الأزمة في سوريا يتطلب اتخاذ إجراء، بيد أن الهجمات الجوية ومناطق حظر الطيران، التي فرضت بشكل مستقل وتم توجيهها من جانب واحد فقط في الصراع، من غير المرجح أن تحمي المدنيين على نحو فعال. أن مبدأ المسؤولية عن الحماية اللذي على الرغم من ذلك يشعل الدعم لمثل هذه النتيجة، على حساب غيرها من التدابير، يعني إنه بحاجة لإعادة التفكير فيه.

إعادة التفكير في المسؤولية عن الحماية

من المرجح أن لا يوافق أنصار المسؤولية عن الحماية، بحجة أن المسؤولية عن الحماية هي أكثر بكثير من مجرد مبدأ للتدخل العسكري. وبدلاً من ذلك، ومن وجهة نظرهم، فإن استخدام القوة هو الملاذ الأخير؛ إن هدف المسؤولية عن الحماية هو تحفيز أي عمل دولي يهدف إلى منع أو وضع حد للفظائع الجماعية. وبالتالي، فإن جهود الوساطة التي وضعت حداً لأعمال العنف عقب الانتخابات في كينيا في 1998، وإحالة الحالة في ليبيا أو السودان إلى المحكمة الجنائية الدولية، وعقد الجلسات المتعلقة بالأزمات مِن قِبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وحتى نشر قوات حفظ السلام بناء على دعوة من أطراف الصراع: يستشهد بها جميعها وأكثر بوصفها دليلاً على مبدأ المسؤولية عن الحماية في العمل.

بيد أنه ليس من الحكمة أن تحزم جنبا إلى جنب المبدأ العسكري للمسؤولية عن الحماية مع مجموعة أقل (وإن لم يكن بالضرورة أقل فعالية) من التدابير. فقد يكون لذلك تأثيره الضار، كما هي الحالة في سوريا، حيث تم تلطيخ جميع تدابير التنفيذ بالجدال المرتبط بالتدخل العسكري، خاصة بنسخته الأكثر (الغير موافق عليها من الأمم المتحدة) جرأة. وعلاوة على ذلك، فإن هذه التدابير الأخرى لم تكن تابعة لمبدأ المسؤولية عن الحماية. فقد تم استخدامها، وفي بعض الأحيان بأثر كبير، قبل وضع أي مفهوم حول مبدأ المسؤولية عن الحماية. والأهم من ذلك، أن العديد من هذه الآليات لها أسس متينة في المعاهدات الدولية والتي هي أكثر ثباتا من الأساس السياسي لمبدأ المسؤولية عن الحماية. 

إن مبدأ المسؤولية عن الحماية في جوهره يتعلق ببناء أكبر قدر ممكن من توافق الآراء للقيام بعمل دولي لمنع أو وقف الفظائع الجماعية. وطالما ظل هذا المبدأ، والعديد من أنصاره، منصبين في اهتمامهم على احتمال القيام بعمل عسكري خارج سيطرة الأمم المتحدة، فمن المرجح أن المسؤولية عن الحماية سوف تعرقل، ولن تعجل، اللحظة التي يكون فيها مثل هذا التوافق مؤكداً.