دور الولايات المتحدة في الهجرة القسرية من الشرق الأوسط

على مناصري حقوق الإنسان ورؤساء منظماتها في الولايات المتحدة أن يتبعوا منهجاً واسع الأفق في مناصرتهم، فضلاً عن التركيز بشكل أحادي الاتجاه على حقوق الإنسان بعد نجاحهم في الوصول إلى هناك. وحيث أن دونالد ترامب يقوم حالياً  بالاقتصاص من حقوق المهاجرين  بالإضافة إلى تصاعد حدة النقاشات حول أوضاع اللاجئين وأزمتهم فلا مجال للشك أننا أمام مشكلة ضخمة. يتعرض حالياً حوالي 24 شخصاً  للتشريد من بلدانهم في كل دقيقة. وما يقرب من 66 مليون شخصاً حول العالم تم تشريدهم بالقوة من منازلهم. فمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تتعرض للتشريد على نحو لم يسبقهم إليه أحد. فقد تعرض 6 ملايين سورياً للتشريد داخل  بلادهم، وما يزيد عن 4.8 مليون لاجئ خارج سوريا- أكثر من نصف تعداد سوريا قبل الحرب. وأسفرت حرب العراق عن تشريد 4.4  مليون عراقياً داخل بلادهم وأكثر من ربع مليون لاجئاً عراقياً، علاوة على الحرب الأهلية باليمن والتي أسفر عنها تشريد 2.5 مليون شخصاً. وفي ليبيا، أكثر من نصف مليون شخص اضطروا لهجرة بيوتهم ومنازلهم هرباً من الحرب.  

ولمواجهة أسباب الهجرة الجماعية القسرية في الشرق الأوسط من جذورها، على المناصرين والحقوقيين تفهم واستيعاب الجوانب المتعددة لهذه الأزمة، ومن بين هذه الجوانب دور السياسة الخارجية الأمريكية والتي تخلق ظروفاً من شأنها زعزعة الأفراد وتشريدهم من أوطانهم. ولكن هذا الجانب عادة ما يتم إغفاله من التغطية الإعلامية وغض الطرف عنه في الخطاب السياسي.

By Mstyslav Chernov (Own work) [CC BY-SA 4.0], via Wikimedia Commons (Some Rights Reserved).

Six million Syrians have been internally displaced, and over 4.8 million are refugees outside of Syria—around half of Syria’s pre-war population.


منذ أغسطس 2016، قامت الولايات المتحدة بالتخصيص أو بالإنفاق أو بالالتزام بصرف ما يزيد عن 3.6 تريليون دولار أمريكياً على الحرب في العراق وأفغانستان وباكستان وسوريا والأمن الوطني (2001 حتى السنة المالية في عام 2016).  أضف إلى هذا ما يُقدر بحوالي 65 مليار دولار مخصصة لتكاليف الحرب قامتا وزارة الدفاع ووزارة الخارجية بطلبهم من  الميزانية في عام 2017،  بالإضافة إلى ما يقرب من 32 مليار دولار قامت وزارة الأمن الوطني بطلبها في عام 2017، وما يُقدر بنحو مماثل لنفقات الجنود في السنوات المقبلة، ليكون إجمالي ما أنفقته الولايات المتحدة على الحروب ما يزيد عن 4.8 مليار دولار.

وعادة ما قامت هذه الحروب بزعم الدفاع عن قضايا إنسانية: فعندما قام جورج دبليو بوش بإعلان شن هجماته على طالبان في أفغانستان في عام 2001، تحدث بلهجة تعالي وعجرفة عن الشعب الأفغاني: "سيدرك الشعب الأفغاني المقموع كرم الولايات المتحدة وحلفائها. فعندما نقوم بضرب الأهداف العسكرية، سنقوم أيضاً بإسقاط الطعام والدواء والمؤن للنساء والرجال والأطفال من الجوعى والمعذبين."

ولكن، التدخل العسكري الذي بدأ بـ"عملية الحرية الدائمة" في أفغانستان أصبح اليوم أطول الحروب في تاريخ الولايات المتحدة، وأسفر عن مقتل 111 ألف شخصاً، بالإضافة إلى تشريد 1.4 مليون لاجئ داخلياً و 2.5  مليون لاجئ خارجياً. فبدلاً من تحرير الشعب الأفغاني من قبضة طالبان، أدى غزو العراق وإضعاف هيكل الدولة في كل من العراق وأفغانستان إلى تفاقم حركة المجموعات المتطرفة، وفتح الطريق لنمو داعش وغيرها من الحركات الإرهابية المنشقة والذي أدى بدوره إلى تهجير وتشريد أعداد ضخمة من سكان هذه البلاد ومواطنيها. ومن المساهمين بقوة في هذه الأزمة من الجانب الغربي، بريطانيا والتي لعبت دوراً رئيسياً أيضاً في دعم مهمة الولايات المتحدة.

"قامت الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003، بزعم العثور على أسلحة الدمار الشامل، ولكن."

قامت الولايات المتحدة بغزو العراق عام 2003، بزعم العثور على أسلحة الدمار الشامل، ولكن، الغزو الأمريكي للعراق دفع بها إلى هوة الحرب الأهلية والتي أسفرت عن نزوح وتشريد الملايين كما وضحنا سابقاً، بالإضافة إلى ما يزيد عن 178,317 حالة وفاة من العراقيين المدنيين على أدنى تقدير (يصل أحياناً التقدير إلى 199,694 حالة وفاة).

وفي ليبيا، في 28 مارس2011، أعلن باراك أوباما أن الولايات المتحدة ستدعو إلى تحالف دولي لحماية المدنيين من أمن قوات معمر القذافي. وبعد سقوط معمر القذافي، تفتت الدولة إلى أشلاء، ودار الصراع بين القبائل والميليشيات المتنافسة على السلطة، مما أدى بدوره إلى نزوح جماعي للمدنيين ممن زعمت الولايات المتحدة القيام بحمايتهم، ليصبح إجمالي كلفة العمليات العسكرية للولايات المتحدة في ليبيا  1.1 مليار دولار.

و تبعاً لمجلس العلاقات الخارجية (CFR)، قامت الولايات المتحدة بإسقاط 26,172 قنبلة على العراق وسوريا وأفغانستان وليبيا واليمن والصومال وباكستان في عام 2016، بمعدل 72 قنبلة في اليوم. كما أوضح المجلس أن هذه التقديرات "منخفضة بلا شك" نظراً لعدم وجود مصدر بيانات معتمد بالإضافة إلى أن في الغارة الواحدة يتم إسقاط  قنابل متعددة. كما أن هذه الأرقام لا تشمل القنابل التي قامت دول أخرى من حلفاء الولايات المتحدة أو معارضيها بإسقاطها أيضاً.

ما الذي يحمله لنا المستقبل

فاز دونالد ترامب بحملة انتخابية شعارها طرد المهاجرين وزيادة نفقات الدفاع، وبالفعل قام بإضافة 30 مليار دولار إلى ميزانية الإنفاق العسكري في السنة المالية من عام 2017. وستقوم ميزانيته في السنة المالية لعام 2018 بزيادة 96.5 مليار دولار لميزانية الدفاع العسكري.

ثم في أبريل 2017، أعلن ترامب قيامه بهجمات جوية ضد سوريا بدون تصريح أو موافقة الكونجرس، فقام بإرسال 56 من القذائف الانسيابية الموجهة إلى سوريا رداً على هجمات الأسد الكيميائية الأخيرة على مواطنيه السوريين. و في تناقض تام مع زعم الدفاع عن المدنيين السوريين، حاول ترامب حظر دخول اللاجئين السوريين إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

إلى جانب أن تصريحات ترامب التي سبقت تنصيبه رئيساً فيما يخص الشرق الأوسط تميزت بلهجة استعمارية، قد وجدت دراسة تم إجراؤها حديثاً أن ترامب كرر أكثر من مرة "أن الولايات المتحدة لابد أن تحتفظ بالبترول في العراق وليبيا بعد التدخل عسكرياً هناك". هذا النوع من الخطاب بالإضافة إلى تضخم ميزانية الدفاع العسكري يعني أن علينا توقع المزيد من السير على نفس النهج، بل ربما يكون أسوء من السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط.

دور مناصري حقوق الإنسان

التزامنا الأكبر هو نشر الوعي حول جذور الهجرة القسرية المنبثقة عن السياسة الخارجية الأمريكية. ولا يمكننا أن نفصلها عن مناقشات حقوق المهاجرين. فمناصرو حقوق الإنسان ومنظماتها عليهم مسؤولية تنظيم ندوات تعليمية مخصصة لمناقشة جذور الهجرة القسرية ودعوة المهاجرين المتضررين بشكل مباشر واللاجئين للتحدث فيها. وعلى أصحاب المصلحة الاستمرار في مناقشة هذا الأمر بتعمق في أي منتدى أو مناقشة حول حقوق المهاجرين، بالإضافة إلى المناصرة النيابية والتشريعية.

وعلينا بذل قصارى جهدنا في مساءلة ومحاسبة الحكومة الأمريكية على قرارات سياستها الخارجية التي أسفرت عن كوارث وعواقب إنسانية تقدر بالملايين حول العالم- و أن نحاول أن نمنع نشوب المزيد من الحروب والنزاعات. وهذا ليس اقتراحاً نظرياً، فالولايات المتحدة عادت مرة أخرى إلى نبرتها العدوانية ولكن هذه المرة ضد إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا. وعلينا أيضاً مساءلة ومحاسبة ممثلينا في الكونغرس ومطالبتهم بالتوقف عن تمويل الحروب. فإذا ألقينا نظرة على التاريخ، سنجد أن توقف التدخل العسكري الشائن والكارثي في فيتنام ما كان ليتحقق دون معارضة الشعب الأمريكي الجماعية والدؤوبة للحرب في  فيتنام.  

وعلى مواطني الدول الأخرى مساءلة ومحاسسبة حكوماتها من خلال المطالبة بعدم المشاركة بأي صورة أو دعم تكتيكي للحروب التي تشنها الولايات المتحدة. وكمثال على هذا، يمكن للدول الأخرى رفض استخدام الولايات المتحدة لأراضيها أو مجالها الجوي.

كما بدأنا بالفعل في جورجيا  خلال صراعنا لإغلاق مراكز حجز المهاجرين من خلال التوثيق والكشف عن الانتهاكات التي يتعرضون لها، علينا أيضاً العمل عن قرب مع منظمات مثل مدرسة مراقبة الأمريكتين لمحاولة ربط حقوق المهاجرين بالسياسة الخارجية الأمريكية ومواجهة كلا الأمرين بشكل متكامل وشامل.  فمن خلال هذه الروابط  والتكاتف الجماعي لمكافحة السياسة الأمريكية الخارجية غير العادلة وسياسة قمع المهاجرين عندها فقط يصبح هناك أمل في مواجهة جذور الهجرة القسرية.