يهود أمريكا والمال والصراع الفلسطيني الإسرائيلي

الجالية اليهودية الأمريكية لديها علاقة إنسانية وسياسية معقدة مع إسرائيل. من ناحية، تتدفق أموال يهود أمريكا الكبيرة إلى إسرائيل، وغالباً ما تتوجه إلى القضايا التي تساهم بشكل صريح أو ضمني في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. من ناحية أخرى، يؤيد يهود أمريكا، وخاصة جيل الشباب، بأغلبية ساحقة عقد اتفاق سلام يمنح الاستقلال الفلسطيني وينهي الاحتلال للأراضي الفلسطينية. ولذلك، فبينما يتضاءل تمويل يهود أمريكا لمنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية بالمقارنة مع القضايا الأخرى في إسرائيل، فإن العديد من اليهود يضغطون من أجل التوصل إلى حل سياسي يتفق مع أهداف النشطاء في مجال حقوق الإنسان.

تبرعات يهود أمريكا لإسرائيل

قدرت دراسة في عام 2012 من جامعة برانديز أنه في عام 2007، تبرع يهود أمريكا بما يزيد قليلاً عن 2 مليار دولار لمنظمات في إسرائيل، في حين قدرت مقالة في الآونة الأخيرة في مجلة فوروارد الرقم بـ 1.77 مليار  سنوياً..

أين تذهب كل هذه الأموال؟ في عام 2007، ذهب الجزء الأكبر (بقيمة حوالي 500 مليون دولار) إلى تكتل "الجماعات الصهيونية التقليدية". هذه الجماعات تشمل صندوق الطواريء لحرب لبنان الثانية؛ الصندوق القومي اليهودي (JNF)، الذي يزرع الأشجار وينمي الأراضي في إسرائيل وفي مناطق وراء الخط الأخضر؛ والحق الطبيعي لإسرائيل، الذي يدبر الرحلات للشباب اليهودي البالغ. يبدو أن الصندوق القومي اليهودي (JNF)  والحق الطبيعي لهما أهداف حميدة، أو حتى جديرة بالثناء، تساعد على تفسير قدرتهما الهائلة لجمع التبرعات. ومع ذلك، فقد انتقد النشطاء الصندوق القومي اليهودي (JNF) والحق الطبيعي لتورطهما في انتهاكات لحقوق الإنسان ولعدم اكتراثهما للاحتلال.

على العكس، فقد ذكرت الدراسة من جامعة برانديز المنظمات "التقدمية" –التي تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان في إسرائيل والضفة الغربية– باعتبارها ثاني أصغر المستفيدين من أموال يهود أمريكا، بما يقدر بحوالي 46 مليون دولار في صناديق في عام 2007. على الرغم من أن هذا المبلغ كبير، لكنه أقل بكثير من الأموال التي تذهب إلى قضايا أخرى.

ولكن المال يحكي نصف القصة فقط. القاعدة الشعبية التقدمية ليهود أمريكا، وخاصة جيل الشباب، متحمسة للوصول إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

تغيير المد والجزر السياسي

في مقالة بعنوان "التمويل لا يمكن أن يوقف انتهاكات حقوق الإنسان"، توصل العالم بعلم الإنسان الأميركي لوري ألين إلى استنتاج أنه برغم قيام منظمات حقوق الإنسان بعمل لا يصدق من خلال توثيق ونشر قضايا حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، فإن هذه التدابير غير كافية في النهاية. بدلاً من ذلك، فإن الحل السياسي وحده يمكنه تأمين مستقبل سلمي للإسرائيليين والفلسطينيين، وإنهاء الاحتلال.

ألين محق تماماً، ويتفق معه يهود أمريكا بشكل متزايد. توجد حركة متنامية –خاصة بين الشباب– لدعم الحل الشامل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو حل الدولتين. هؤلاء الشباب اليهود لديهم أيضاً رؤية واضحة بشأن تحديات المستقبل. فقط 23% من يهود أمريكا غير الأرثوذكس الذين تتراوح أعمارهم بين 18-29 عاماً يعتقدون أن الحكومة الإسرائيلية تسعى بإخلاص لتحقيق السلام، ومجرد 177% من مجموع يهود أمريكا يعتقدون أن المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية –وهو  يمثل نقطة محورية في النضال الفلسطيني من أجل حقوق الإنسان– هو أمر جيد بالنسبة لإسرائيل. نسبة كبيرة 76% من اليهود الشباب غير الأرثوذكس يعتقدون أنه يمكن أن تعيش دولة إسرائيل اليهودية الديمقراطية ودولة فلسطين الحرة ذات السيادة جنباً إلى جنب في سلام وأمن.

على السطح، دعم حل الدولتين وحقوق الإنسان الفلسطيني ليسا بالضرورة نفس الشيء. ومع ذلك، فإن السياسة الأمريكية اليهودية تشير إلى وجود حساسية عميقة تجاه قضايا حقوق الإنسان. وفقاً لمركز بيو، نسبة 38% من يهود أمريكا معروفون بأنهم ليبراليون، مما يجعلنا ثاني طائفة دينية الأكثر ليبرالية في البلاد، خلف البوذيين. محلياً، يشارك يهود أمريكا بفاعلية في قضايا التمييز ضد المجتمع المثلي والمسلمين والأمريكيين من أصل أفريقي، مع أغلبية كبيرة مؤكدين أن هذه المجموعات تواجه "الكثير" من التمييز. في المقابل، يعتقد أقل من 500% من عامة الشعب الأمريكي أن المسلمين والأمريكيين من أصل أفريقي يواجهون تمييزاً كبيراً.

بدأت الميول التقدمية سياسياً ليهود أمريكا تعبر عن نفسها في النشاط السياسي بخصوص إسرائيل/فلسطين. ونظراً لتاريخ المشاركة اليهودية في العمل في مجال حقوق الإنسان والمواقف تجاه التمييز في الولايات المتحدة، يعتقد العديد من يهود أمريكا أنه ينبغي على إسرائيل أن ترقى إلى قيمهم. دعم اتفاق السلام في إسرائيل يعني أيضاً دعم إسرائيل التي تتمسك بالمباديء الأساسية للعدالة والمساواة التي تأسست عليها الميول السياسية المحلية. ونحن نرى هذا الاتجاه منعكساً في صعود اللوبي الإسرائيلي التقدمي.

لقد ازدهر في السنوات الأخيرة جماعات يهود أمريكا المؤيدة لإسرائيل وللسلام بشكل صريح، مثل منظمة جي ستريت (J Street)، وأميركيون من أجل السلام الآن وصندوق إسرائيل الجديد. في مقالة للكاتبتين سارة سورشر وإلهي إزادي صدرت مؤخراً في مجلة ناشونال جورنال تفاصيل صعود جماعة جي ستريت، التي كرست نفسها للتوصل إلى حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. لقد رأت سورشر وإزادي بأن جماعة جي ستريت قد "غيرت المشهد" ليصبح مؤيداً لإسرائيل في الولايات المتحدة. وقد خصصت جماعة جي ستريت مساحة لكل من يهود أمريكا والمسؤولين المنتخبين لتحدي سياسات حكومة بيبي نتنياهو عندما جعلت السلام أكثر صعوبة أو انتهجت سياسات ضارة. وقد كانت لجنة العمل السياسي (PAC) لجماعة جي ستريت هي أكبر مانح مؤيد لإسرائيل في دورة انتخابات عام 2012، وقد تحدث نائب الرئيس جو بايدن في مؤتمرهم الأخير. من بين أكثر من 3,000 من الحضور، حضر 900 من الطلاب، مما يدل على جذب النشاط المؤيد للسلام لليهود الأصغر سناً.

جماعات جي ستريت، وصندوق إسرائيل الجديد، وأميركيون من أجل السلام الآن وغيرها من الجماعات المشابهة في التفكير لا تزال تواجه معارضة. يهود أمريكا النشطاء سياسياً هم على الإطلاق متحدون وراء النشاط التقدمي المؤيد للسلام. ومع ذلك، فإن النمو السريع لمنظماتهم وعمر مؤيديهم هما مؤشر إيجابي للمضي قدماً.

يدل صعود جماعة جي ستريت على وجود تنظيم للأشخاص وتنظيم للمال في السياسات التقدمية ليهود أمريكا. فطالما تمتلك جماعة جي ستريت وحلفاؤها مركزاً اتجاهه سياسي، بدلاً من أن يكون اتجاهه هو حقوق الإنسان تحديداً، فإن أهداف لغتهم وسياستهم تسعى إلى تعزيز الحقوق الفلسطينية بجانب دولة يهودية ديمقراطية. قد لا يتبرع يهود أمريكا بنفس القدر لكل من منظمات حقوق الإنسان والقضايا الأخرى في إسرائيل، ولكن مسار التبرعات الكبيرة مخالف لمسار العمل المؤيد لحقوق الإنسان اليهودي في المجال السياسي، وكذلك مخالف لمسار التعاطف السياسي ليهود أمريكا. نعم، الفصل بين التبرعات والنشاط يمثل إشكالية، ولكنه ليس مؤشراً على ما يشعر به معظم يهود أمريكا تجاه حقوق الإنسان، وهو مخالف لتوجهات نشاطهم السياسي.

مدعاة للتفاؤل

فهم علاقة يهود أمريكا بحقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين يتطلب النظر إلى ما وراء التمويل لجماعات حقوق الإنسان. على الرغم من وجود عقبات كبيرة تواجه تمويل منظمات حقوق الإنسان في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والأراضي الفلسطينية، فقد ضاعف يهود أمريكا هذا التمويل في سعيهم لتحقيق حل سياسي للصراع. هذا أمر مناسب. وكما بين ألين بشكل واضح، فإن العمل في مجال حقوق الإنسان، برغم أهميته البالغة، ليس في حد ذاته كافياً لحل القضايا الهامة في المنطقة.

الندرة النسبية لتبرعات يهود أمريكا الموجهة نحو قضايا حقوق الإنسان في إسرائيل والأراضي المحتلة تبعث على القلق. إذ يجب على الجماعات الأمريكية التقدمية التي تسعى إلى توسيع الحوار السياسي مواصلة لفت الانتباه إلى هذا العجز المالي وإلى وجوب تداركه. ولكن في خضم هذا التحدي، والتنافر الراسخ بين الجهات المانحة والعناصر الرئيسية، فإن يهود أمريكا لا يمكنهم أن يغفلوا الضرورة الملحة لإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. يجب على جالية يهود أمريكا مواصلة الدفع بقوة أكبر من أي وقت مضى لتحقيق سلام دائم لتأمين مستقبل حقوق الإنسان في إسرائيل وفلسطين.