التعاون لإعمال حرية الدين أو المعتقد في القانون الدولي لحقوق الإنسان

/userfiles/image/Yildirim_Image_03-19-21.jpg

بينما مشكلات حرية الدين أو المعتقد تمثل قضايا قائمة منذ زمن طويل في شتى أنحاء العالم، فإن الاهتمام بالتفاهم الثنائي ومتعددالأطراف على الساحة السياسية لإعمال حماية هذا الحق في دول مُختارة قد تزايد بدرجة كبيرة في السنوات الأخيرة.

بعض الدلائل الملموسة على هذا التوجه تتمثل في تزايد عدد تعيينات المبعوثين الخاصين المعنيين بحرية الدين أو المعتقد، وإعلاء أولوية الحريات الدينية في السياسة الخارجية، بما يشمل في برامج المساعدات الأجنبية، وتشكيل باقة عريضة من مجموعات المصالح التي تطالب بحرية الدين أو المعتقد، والتركيز على حقوق أو حماية حقوق مجموعات دينية أو اعتقادية معينة، وشبكات وتحالفات جديدة تركز على تعزيز تنسيق العمل السياسي في هذا الملف. 

 

على أن هذه الجهود يجب أن ترتكز إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان وأن تكون متصلة بآليات الحماية الدولية لحقوق الإنسان، من أجل تعزيز دورها الأساسية. إن اتخاذ إجراءات والقيام بتحركات، سواء كان من خلال تدخلات مباشرة أو عبر برامج تمويل، مع الانحياز مع أو ضد مجموعات بعينها، أو من خلال اختيار حرية الدين أو المعتقد بصفته "الحق الأهم"، هي أعمال يُرجح أن تقلل من تأثير الترويج الدولي للحق في حرية الدين أو المعتقد بالنسبة إلى الجميع.

يقترح بيترسن ومارشال ثلاثة أسباب على الأقل وراء هذا المشروع. أولاً، الاهتمام في أوروبا وأمريكا الشمالية بالوضع المتدهور للمسيحيين في الشرق الأوسط، حسب التصورات القائمة. ثانياً، المخاوف إزاء حركات العنف الدينية وتصرفاتها. ثالثاً، تنامي الوعي بالدور الذي تلعبه المؤسسات والمعتقدات الدينية في الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أغلب مناطق العالم. إن أوجه القصور في تأثير آليات حماية حقوق الإنسان الدولية لإعمال حقوق الإنسان، وتحديداً ما يتعلق بحرية الدين أو المعتقد، قد تكون من العوامل المستحقة للاستكشاف. الحالة المؤسفة للمحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان تدفعنا لنقل بؤرة التركيز إلى السعي للاعتماد على "القوة الناعمة" للتأثير على ممارسات الدول.

إن الصلات المتبادلة بين آليات حماية حقوق الإنسان الدولية وتلك المناصب الجديدة وجماعات المصالح الناشئة مؤخراً والمعنية بحرية الدين أو المعتقد، هي صلات لم يتم استكشافها بعد. يمكن أن تظهر عوامل تحفيز من داخل الصلات القائمة المذكورة. على سبيل المثال، من خلال دعم تنفيذ توصيات الاستعراض الدوري الشامل، ومذكرات وتقارير الأطراف صاحبة المصلحة، أو تنفيذ أحكام أو نتائج آليات الالتزام الدولية بحقوق الإنسان. إن الانتقال نحو الاشتباك السياسي لحماية حرية الدين أو المعتقد قد يمثل فرصاً للاشتباك مع قضايا مختارة في ظل تجاهل قضايا أخرى، بناء على حساسيات محلية ومصالح وطنية وأولويات مختلفة. 

هناك قدر كبير من الالتباس فيما يخص هذه المبادرات والمسؤولين والمجموعات. المزيد من الاهتمام والموارد والتواصل يمكن أ، يكون له فوائد، مثل التوعية بالحريات الدينية وقضاياها، وتعزيز قدرة هيئات حقوق الإنسان الدولية ذات الصلة، وتوفير موارد أكثر للمشروعات المحلية الخاصة بحرية الدين أو المعتقد. وعلى النقيض، فإن هذه المبادرات قد تسبب الضرر، من خلال إطلاق أفعال انتقامية من الحكومات السلطوية نتيجة للتركيز الانتقائي أو الأعمال الانتقائية لصالح مجموعات أو أفراد بعينهم.

لكن بما أن هناك اهتمام بالعمل في هذا الملف، فما هي السمات الثابتة التي يجب أن تتوفر في أي مبادرات، أولاً من باب درء الضرر، ثم للمساهمة في إعمال حقوق الإنسان وتحديداً حرية الدين أو المعتقد للجميع؟ هل يمكن أن يمثل الاهتمام بحرية الدين أو المعتقد جسراً يعبر الانقسامات الثقافية والأيديولوجية لبلوغ معيار مشترك متفق عليه في القلب من الصكوك الخاصة بحقوق الإنسان؟ نظراً لأن عالمنا يزيد استقطابه حول حرية الدين أو المعتقد مع تزايد تسييس هذا الملف بشكل سلبي، يصبح التفكير في هذا الأمر مهم بصورة متزايدة.

إن المرجعية في التفكير في العمل لإعمال حرية الدين أو المعتقد يجب أن تكون كامل القانون الدولي لحقوق الإنسان، برمته، كما هو مفهوم وكما يجري تنفيذه. في حين أن التركيز بصورة محدد على حرية الدين أو المعتقد يمكن أن يساعد في التوصل إلى قضايا وانتهاكات وتدابير معينة لازمة للتصحيح من قبل الدول، فإن خلق هيراركية بين الحقوق يُرجح أن يؤدي إلى حماية أقل.

إن حماية حق الجميع في حرية الدين أو المعتقد وليس حق جماعات بعينها في هذا الملف، أمر مهم. ولنذكر أمراً بديهياً: من المهم التشديد على أن الحق في حرية الدين أو المعتقد مكفول للجميع، بما يشمل المؤمنين وغير المؤمنين وأعضاء الأغلبيات الدينية والأقليات معاً، والأطفال والبالغين، واللاجئين وغير المواطنين والمواطنين، والنساء والرجال وأعضاء مجتمع الميم. إن المطالبة إعمال الحق لجماعات بعينها يُرجح أن يقلل من تأثير ومردود تحسين حماية حرية الدين أو المعتقد للجميع، وقد يكون له أثر عكسي في بعض الحالات، لا سيما في السياقات حيث يُنظر بالفعل إلى المجموعات الدينية أو الاعتقادية نظرة ريبة، لارتباطها مثلاً بدول أو جماعات في دول أخرى.

إن مشروعية مثل هذه المبادرات في أعين الأفراد والجماعات الذين يُنظر إليهم بصفتهم "المستفيدون" في الدول المستهدفة بالعمل، هو أمر بعيد كل البعد عن الوضوح. في السياقات المعقدة للغاية، فإن الأعمال السياسية التي تركز مثلاً على إنقاذ شخص واحد انتهكت حقوقه الإنسانية أو التي تركز على جماعة بعينها، يُرجح أن تكون ذات آثار سلبية على مجموعات أخرى.

يجب الاستمرار في العمل على وضع منهجية عمل جيدة بناء على القانون الدولي لحقوق الإنسان، بحيث تكون منهجية وشاملة للجميع وتعاونية. من السهل لمثل هذه الجماعات أن تصبح جماعات انعزالية مكونة من فاعلين يفكرون بنفس المنظور. ليس هذا سهلاً ويتطلب جهداً مستمراً. لكن بما أن المنهجية تقدم نتائج ملموسة، فإن لها آثار على نتاج العمل وعلى مشروعية هؤلاء الفاعلين على السواء.

من المهم فهم أن منهجيات العمل الخاصة بهؤلاء الفاعلين تفتقر إلى التشاور الممنهج، عبر إشراك المجتمع المدني المحلي، وإضافة وجهات نظر المجتمعات الدينية أو الاعتقادية، التي تعد في صميم أطر عمل الالتزام بحقوق الإنسان الدولية، مثل الاستعراض الدوري الشامل التابع للأمم المتحدة أو الهيئات المنشأة بموجب معاهدات في الأمم المتحدة. من ثم، فإن المزايا المتحققة من العمليات التي تسهم في التفاعلات والتبادلات المحلية والتغيرات على المستوى المحلي، هي في واقع الأمر غير مُفعّلة.

إعلاء أولوية فعالية آليات حقوق الإنسان الدولية. من المؤكد أنه لن تكون هنالك حاجة للقوة الناعمة المتوفرة أو غير المتوفرة لهذه المبادرات إذا لم تكن آليات حقوق الإنسان الدولية فعالة. من ثم، إذا كانت ثمة إرادة سياسية لإعمال حرية الدين أو المعتقد، فإن توجيه مسار هذه الإرادة السياسية نحو دعم آليات حماية حقوق الإنسان الدولية هو أمر يجب منحه الأولوية. إن فعالية هيئات الأمم المتحدة المنشأة بموجب معاهدات، كما وردت في قرار الجمعية العامة رقم 68/268 حول تقوية وتحسين العمل الفعال لمنظومة الهيئات المنشأة بموجب معاهدات، وتنفيذ أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وآلية الاستعراض الدوري الشامل والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة، هي جميعاً آليات تحتاج إلى التعزيز.

إن أسوأ سيناريو ممكن هو أن يسحب هؤلاء الفاعلون والمجموعات والمنصات الاهتمام والموارد بعيداً عن نظم حماية حقوق الإنسان الدولية، لأننا نحتاج إلى إطار عمل للقانون الدولي لحقوق الإنسان مصحوب بآلياته اللازمة للعمل دون الحاجة إلى "قوة ناعمة" من دول. إننا بحاجة لأن يكون لآليات حقوق الإنسان الدولية في حد ذاتها تأثير ومردود كبير.