أصحاء على المدى البعيد: بناء القدرة على الصمود والمرونة للعاملين في مجال حقوق الإنسان

منذ حوالي 15 عاماً، أدركت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أنه كان يجب علينا أن نكون أكثر جدية فيما يتعلق بالحفاظ على الصحة البدنية، حيث كانت المخاطر التي تحفّنا نحن وغيرنا كبيرة للغاية، لذلك فقد أنشأنا فريق أمن لوضع التوجيهات وتنفيذ البروتوكولات. وقبل بضع سنوات، اتخذنا قراراً طال انتظاره بتعيين مدير أمن بدوام كامل.

لا يمكننا القضاء على التوترات والضغوط النفسية التي يفرضها العمل في مجال حقوق الإنسان، ولكن يمكننا أن نوفر الرعاية الوقائية والعلاجات اللازمة للحفاظ على الصحة الجيدة والإنتاجية العالية لموظفينا على المدى البعيد.

واليوم نتخذ خطوات مماثلة للحفاظ على الصحة النفسية لموظفينا البالغ عددهم ما يقرب من 450 موظفاً في جميع أنحاء العالم. لا يمكننا القضاء على التوترات والضغوط النفسية التي يفرضها العمل في مجال حقوق الإنسان، ولكن يمكننا أن نوفر الرعاية الوقائية والعلاجات اللازمة للحفاظ على الصحة الجيدة والإنتاجية العالية لموظفينا على المدى البعيد.

ويرتبط ذلك جزئياً بالحفاظ على الصحة البدنية. تقوم مجموعات، مثل Tactical Tech، باستخدام مصطلح "الصحة الشاملة" لوصف التفاعل بين العناية بالنفس والسعادة النفسية والاجتماعية والصحة البدنية. وعندما لا يحصل الموظفون على قسطٍ كافٍ من النوم إلى درجة الحرمان منه، أو يعانون من القلق أو التوتر، فإنهم يصبحون بذلك أكثر عرضة لتضخيم الأحداث البسيطة أو التقليل من شأن المخاطر الجسيمة.

 
Fred Abrahams/HRW (All rights reserved)

A Human Rights Watch researcher showing a video to villagers in Mozambique, 2013.


كما أن مستوى الكفاءة له تأثير. في كل مرة يأخذ شخص ما إجازة طويلة أو يترك العمل بسبب الإرهاق، أو حتى بسبب الانهيار بعد أي صدمة، نحن نواجه نقصاً في قدرتنا على العمل من أجل الآخرين. ومن الناحية العملية، ينبغي لمنظمات حقوق الإنسان أن توفر لموظفيها الوسائل اللازمة للحفاظ على صحتهم بحالة جيدة، وأن تقدم لهم الدعم اللازم عندما يشعرون بعدم الارتياح.

لكن التركيز على الصحة النفسية يتجاوز بكثير الأهداف العملية للصحة الجيدة والإنتاجية العالية. ففي الأساس، يعتبر ذلك اعترافاً بأن منظمات حقوق الإنسان تتحمل مسؤولية رعاية موظفيها. وكما تتزايد مجموعة الأدلة المتعلقة بتأثير الصحة النفسية على العمل في مجال حقوق الإنسان، كذلك يتزايد واجبنا لمعالجتها والتصدي لها.

وهذه المهام تتجاوز المحققين في الخطوط الأمامية لتشمل أيضاً المراجعين والمحامين ومحرري الفيديو والصحفيين والدعاة وغيرهم الذين يقومون بتجهيز ونشر المواد. ونظراً لأن المنتجات البصرية وشبكات التواصل الاجتماعي أصبحت ضرورة لا غنى عنها للعمل، فقد أصبح معظمنا يقضي ساعات للبحث في المواد المزعجة والقاسية التي يمكن أن يكون لها نفس القدر من التأثير الضار.

وحتى وقت قريب، كانت جماعات حقوق الإنسان الكبيرة مثل منظمتنا تميل إلى التخلف عن وسائل الإعلام والعاملين في المجال الإنساني وغيرهم ممن كانوا أكثر وعياً بالصعوبات النفسية الناجمة عن عملهم. وبغض النظر عن عدم الإدراك أو التضحية، فقد ثابرنا واقتنعنا بأننا لا نستطيع أن نأخذ قسطاً من الراحة. وفي بعض الأحيان، تتغلب ثقافة "ممارسة الضغوط والمثابرة"، خاصة أن مجال العمل أصبح احترافياً ويحاول الناس إثبات جدارتهم فيه.

ولا تزال وصمة العار المتعلقة بالصحة النفسية قائمة، حيث يخشى الناس أحياناً من إثارة المخاوف خشية اعتبارهم كسالى أو ضعفاء. ويمكن للضغط التنظيمي من أجل تحقيق النتائج والتأثير أن يخيف ويحرك أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة.

ولحسن الحظ، بدأت هذه السلوكيات والأفكار في التغير. نحن والمنظمات الدولية الأخرى لحقوق الإنسان نرى بشكل متزايد أن العناية بالنفس ليست أنانية ولكنها استراتيجية. وإذا أردنا كأفراد ومنظمات أن نكون مؤثرين وأصحاء مع مرور الوقت، يجب أن نعتني بأنفسنا وببعضنا البعض.

قبل بضع سنوات، على سبيل المثال، قامت هيومن رايتس ووتش بإعادة دراسة حزمة التأمين الخاصة بها لضمان حصول الزملاء على تغطية كافية للمستشارين القانونيين والمعالجين. ومع إدراكنا بأن ذلك لم يكن كافياً في كثير من الأحيان، فإننا نساعد الآن على تغطية ست جلسات إضافية كل سنة بعيداً عما يوفره التأمين.

كما قمنا بتعيين متخصص في الصحة النفسية بدوام كامل، وهو متاح للاستشارات الشخصية السرية، عن طريق الهاتف أو عن طريق سكايب. وقد برهن ذلك على وجود مورد ذي قيمة، خاصة وأن الشخص أصبح يعرفنا كأفراد وكمنظمة، مما يوفر توصيات بشأن ما ينبغي تحسينه ودورات تدريبية للموظفين الجدد.

في العام الماضي، قمنا بتشكيل فريق عمل معني بالتوترات والمرونة لاستكشاف كيفية التحسين بطريقة أخرى. وكان الهدف الرئيسي هو زيادة الوعي في جميع أنحاء المنظمة، وذلك للحد من وصمة العار، ولإرسال رسالة بأن هذه القضايا هي آمنة للمناقشة.

وقد وضعت المجموعة توجيهات داخلية–تم نشرها بشكل بارز حول المكاتب– للتعامل مع الصور ومقاطع الفيديو التي تحتوي على مشاهد بشعة أو قاسية، مع إدراك أن الناس ما عدا الباحثين الميدانيين يواجهون خطر الصدمة الثانوية. وقد ساعدنا استقصاء للموظفين حول فوائد الصحة النفسية واستخدامها على تحديد أين تقع التحديات تحديداً.

أحد محاور التركيز الرئيسية هو كيفية التواصل داخل المنظمة. وقد أشار الموظفون مراراً إلى عملية التحرير الداخلية وطريقتنا المتهورة كمصادر للتوتر والضغوط. بعد سماع حكايات عن سوء المعاملة، يمكننا أن نغضب غضباً عارماً عندما يكون أحد الزملاء فظاً أو وقحاً.

من الصعب التغلب على هذا التحدي، وقد نجحت توجيهات آداب البريد الإلكتروني التي يتم نشرها بانتظام نجاحاً طفيفاً حتى الآن. يجب أن تتغير الثقافة التنظيمية لتطوير الممارسات التي تعزز التواصل الفعّال والمحترم حتى في الأوقات العصيبة التي تسبب التوترات. وبشكل أساسي أكثر، يجب أن نوفر الدعم اللازم حتى يمكن للزملاء الاستعداد للقصص المؤلمة ومعالجتها.

وفي هذا الصدد، يقوم المديرون بدور محوري، وهم بحاجة إلى التدريب للتعرف على علامات الإرهاق وكيفية التعامل معها، فضلاً عن دعمهم لتقديم حلول عملية ومبتكرة. ويمكن لقيادة المنظمة أن تحدد الأسلوب من خلال إثارة القضايا بشكل استباقي ومناقشة مناهجها الخاصة بها وإفساح المجال أمام الموظفين لإثارة المخاوف وطرح المسائل التي يساورهم القلق بشأنها.

نحن أيضاً نستكشف كيفية توفير الدعم من زميل لزميل. ويقدم برنامجنا الإرشادي الداخلي بعض المساعدة، ولكن التدريب الأساسي يعلمنا كيف نساعد بعضنا البعض.

وأخيراً، فإننا نتشاور مع المنظمات الأخرى التي تتصدى لهذه التحديات، والتي تشمل المجالات الطبية والإنسانية والإعلامية. ويمكن أن تنشأ أفضل الممارسات من خلال المناقشة والحوار.

في نهاية الأمر، لا ينبغي لنا أن ننكر أو نتجاهل الأعباء النفسية بسبب عملنا، ولكن علينا الاعتراف بها ومعالجتها، حتى لا تطغى على الإحساس العميق بالمعنى والسعادة.