التنوّع في حركة حقوق الإنسان يتخطى مسألة العلاقات بين الشمال والجنوب

ركّزَت المناقشات الجارية بشأن تدويل حركة حقوق الإنسان على إلغاء المركزية الجغرافية للمنظمات الدولية غير الحكومية التي مقرها في العالم الشمالي، و توسيع الرقعة الجغرافيةللمنظمات الوطنية والإقليمية التي مقرها  في العالم الجنوبي. ومع ذلك، فإن التنوع يتطلب أكثر من النظر من زاوية الجغرافيا أو العلاقة بين الشمال والجنوب.

تبقى الجغرافية مسألة حيوية طبعاً، وهنالك أهمية للموقع الجغرافي حيث يقوم النشطاء بوضع جداول الأعمال واتخاذ القرارات. والمجموعات التي تعمل مباشرة مع المطالبين بحقوقهم في مجتمعاتهم، غالباً ما تكون في أفضل موقع لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وتشخيص العلاج الملائم. وبالتالي، فإن ضمان أن تتمكن المجموعات  المحلية من الوصول  إلى الشبكات والآليات والموارد، داخل وخارج حدود دولتها، يجب أن تكون له الأولوية. ومع ذلك، فإن مسألة الجغرافية لا تتعلق كلها بالشمال والجنوب، يجب علينا أيضاً أن نركّز على بناء روابط أقوى بين الوطني والمحلي، الحضري والريفي، العالمي والإقليمي.

غير أن الجغرافيا ليست هي المسألة الوحيدة المهمة؛ فاليوم، تتنوّع حركة حقوق الإنسان بطرق مهمة أخرى، لها أحياناً تأثيرات أكثر عمقاً.

تشمل هذه الأشكال الجديدة من التنوع أساليب جديدة لمعالجة قضايا حقوق الإنسان، وأنواع جديدة من مشاكل حقوق الإنسان، ومتعاونين وشركاء جدد، وتحالفات جديدة مع حركات أخرى. هذه التنوعات جميعها لها دور تلعبه في تفكيك النُظُم القائمة التي نعمل ضمنها—سواء أكانت اجتماعية، اقتصادية، حكومية، أو خاصة بالمجتمع المدني—وفي إعادة بنائها لتصبح أكثر ملاءمة واستجابة وفعالية.

لطالما كانت الأبحاث والمحاماة والمقاضاة استراتيجيات أساسية لدى نظام حقوق الإنسان؛ فيجب أن نستمر في شحذ هذه المهارات، لكن مجموعات حقوق الإنسان تكتشف أدوات جديدة، من الرقابة على الميزانيات والمحاسبة  العدلية، إلى ألعاب الفيديو، المناصرة عبر الفيديو، صناعة الأفلام الوثائقية والتصوير الفوتوﭼرافي، والفنون البصرية والأدائية. لقد أطلقت التكنولوجيا مجموعة من الفرص والمجازفات التي يدرسها النشطاء من أجل التنظيم والبحث وحملات الإعلان.

ونتنيجة لذلك، لم تعد الحركة مأهولة بالمحامين والباحثين فحسب، بل كذلك بالاقتصاديين ومتعهدي المشاريع وخبراء التكنولوجيا ومخططي المدن والفنانين، ممن لديهم وجهات نظر مختلفة بشأن المشاكل والحلول في مجال حقوق الإنسان. وهذا التنوع الكبير في الفاعلين يؤدي إلى التعامل مع مجموعة واسعة من المؤسسات، تشمل الهيئات والمحاكم متعددة الأطراف، كمحكمة العدل الأوروبية في لوكسمبورغ، أو هيئة التفتيش التابعة للبنك الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، والشركات متعددة الجنسيات كمؤسسة التمويل الدولية أو شركة يونيليفر.


Demotix/Mario Tellez (All rights reserved)

All kinds of groups and constituencies now use rights-based strategies to advance their causes and address societal inequities.


وقد أصبحت البرامج العالمية لحقوق الإنسان متنوعة أكثر فأكثر. ومع توسع الحركة لتشمل مجموعات تعمل على قضايا عدم المساواة الاقتصادية والتهميش والتمييز، فضلاً عن التأثيرات البشرية للتنمية—من فاعلين كثر لا مجال لتعدادهم—فقد أصبح الجدل أكثر تعقيداً حول ما يجب أن يكون أو لا يكون ضمن البرامج.

ومع ذلك، فأكثر الأصوات أهمية هي أصوات المطالبين بحقوقهم. إن مختلف أنواع الجماعات والدوائر الانتخابية تستخدم الآن الاستراتيجيات المبنية على الحقوق لعرض قضاياها ومعالجة الإجحاف المجتمعي؛ فجماعات السكان الأصليين، الأقليات العرقية، الجماعات الدينية، والأشخاص الذين لديهم إعاقات، وحالات المثلية وازدواجية الميول الجنسية والتحويل الجنسي، والنساء، والأطفال، والمهاجرون وغيرهم الكثير، يطالبون جميعاً بحقوقهم الإنسانية. ويدفعون جميعاً بالبنية التحتية لحقوق الإنسان على المستوى المحلي والوطني والدولي لتعكس واقعهم بشكل أكمل. كما أنهم يقيمون شبكات مع نشطاء حقوق داخل مجتمعاتهم، ويسعون إلى إقامة تحالفات مع آخرين يعملون في قضايا مماثلة في أماكن أخرى.

فالتنوع هو حجر الزاوية الذي يمكننا أن نبني عليه التضامن عبر الجغرافيا والقضايا، وأن نُثري استراتيجياتنا لنحمي دفاعاتنا عن الحقوق القائمة، وأن نمارس الضغط  من أجل تحقيق ما هو أبعد من ذلك.

 هذا التنوع يخلق سياسات وممارسات مبتكرة؛ حيث أن هنالك مجموعات تبني آليات جديدة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، تشمل تطوير معايير جديدة، كاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقات. كما أنهم يُدرجون الحقوق ضمن الآليات القائمة، كما هي الحال مع مراجعة السياسات الوقائية التابعة للبنك الدولي. وهنالك مجموعات تستخدم أيضاً استراتيجيات جديدة، تشمل مبادرات الجهات المانحة للجمع بين المانحين والمناصرين من أجل اتخاذ قرار مشترك بشأن توزيع الموارد.

إن الجدل حول جغرافية النفوذ داخل الحركة العالمية لحقوق الإنسان لا يزال ملحّاً وذا صلة. لكن النظر إلى المسألة من زوايا أخرى هو أمر مهم أيضاً، فهو يتيح لنا أن نرى وأن نستخدم تنوعنا من أجل حشد المزيد من الوعي وتقديم الدعم لحقوق الإنسان. إن القضايا المختلفة تتطلب استجابات مختلفة، ويمكن للحركة، بالاعتماد على تنوعها، أن تستجيب من خلال أدوات أكثر فعالية، وجهات فاعلة ذات صلة أكبر، في عدد أكبر من الأماكن في العالم.

إن مساحة النشاط والمشاركة المدنية تضيق في الكثير من البلدان، ابتداءً من روسيا ومصر، وانتهاءً بإسبانيا والهند. كما أن هناك هجمات متزايدة في أرجاء العالم على البنية التحتية لنظام حقوق الإنسان ومؤسساته. ورداً على ذلك، يجب على حركتنا أن تجد القوة في التنوع. فالتنوع هو حجر الزاوية الذي يمكننا أن نبني عليه التضامن عبر الجغرافيا والقضايا، وأن نُثري استراتيجياتنا لنحمي دفاعاتنا عن الحقوق القائمة، وأن نمارس الضغط  من أجل تحقيق ما هو أبعد من ذلك.  

يطرح البعض أن نظام حقوق الإنسان في عالمنا الجديد متعدد الأقطاب قد أخذ ينهار وأنه أصبح غير ملائم أكثر فأكثر. لكن التنوع المتزايد للناس والمجموعات التي تؤلف حركة حقوق الإنسان، يروي قصة مختلفة.