مطلوب في إسرائيل: القيادة الديمقراطية

في السنوات الأخيرة، تناولت كتابات كثيرة سلبيات الثقافة السياسية الإسرائيلية. غالباً ما يواجه الإسرائيليون، ولا سيما عامة الأغلبية اليهودية، تهماً في وسائل الإعلام المحلية والأجنبية –وكذلك في بعض التحليلات الأكاديمية والسياسية– بأنهم يجاهرون بآراء ومشاعر غير ديمقراطية إن لم تكن مناهضة للديمقراطية. وأحياناً يتم تصوير هذه الآراء والمشاعر على أنها "عنصرية"، وتحديداً فيما يتعلق بالأقليات غير اليهودية في البلاد.

لقد تأثرت هذه التفسيرات بشدة –ولأسباب مفهومة تماماً– بأكثر من بضع هجمات لفظية وجسدية مزعجة للغاية، في الغالب (وليس حصر) ضد العرب. وقد تجسدت هذه الهجمات بشكل أوضح ما يكون خلال صيف عام 2014، خلال عملية الجرف الصامد (زوك إيتان). وقد تعمق هذا الانطباع مع الإدانات السائدة في إسرائيل من خلال المواقف الليبرالية والمبادرات القانونية والاقتراحات السياسية التي طرحها السياسيون ونشطاء المجتمع المدني من اليسارىين. وبطبيعة الحال، فإن الصورة العامة عن الإسرائيليين المناهضين للديمقراطية و/أو العنصريين قد احتضنها بكل سرور وإلى حد بعيد خصوم إسرائيل، وأيضاً بعض من "عشاق الإحباط" من داخل وخارج البلاد.

ومع ذلك، واستناداً إلى بعض النتائج الإرشادية المستخلصة من الاستطلاع الإسرائيلي السنوي عن مؤشر الديمقراطية الذي تم إجراؤه في شهر مايو عام 2015، فقد كان حكم النقاد في بعض النواحي قاسياً جداً ومتسرعاً جداً. وكما ذكرت داليا شيندلين من قبل في هذا النقاش، على مستوى المفاهيم، فإن الغالبية العظمى من اليهود  الإسرائيليين على دراية بحقوق الإنسان الأساسية والحقوق المدنية، وفي الواقع هم أيضاً مؤيدون لهذه الحقوق. ولكن تنشأ الصعوبة عندما يتعلق الأمر بترجمة هذه المفاهيم المجردة إلى التفضيلات السياسة. وهذا صحيح بشكل خاص عندما تتصادم حقوق الإنسان والحقوق المدنية مع المخاوف الأمنية أو مع تعريف إسرائيل (المبهم جداً) كدولة يهودية وديمقراطية. وبسبب دعوة المواطنين العرب إلى تحويل إسرائيل إلى دولة لجميع مواطنيها، فإن هذا التعريف اليهودي لدولة إسرائيل لا يمثل فقط مشكلة، ولكن الإسرائيليين اليهود ينظرون إليه على نطاق واسع على أنه مهدد.


Flickr/Israel Defense Forces (Some rights reserved)

Israeli President Reuven Rivlin visits IDF forces. Rivlin has been outspoken for Palestinian human rights; unfortunately, he is the exception rather than the rule of Israeli political leadership.


ومع ذلك، فإن مثل هذا الصدام بين الالتزامات العقائدية الديمقراطية ومخاوف الدفاع العملية ليس الأول من نوعه بالنسبة لإسرائيل. على سبيل المثال، كان ذلك واضحاً جداً في الولايات المتحدة في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، عندما لم يحتج معظم الأمريكيين بشكل صريح وواضح على الإجراءات غير الديمقراطية التي اتخذتها الإدارة الأمريكية من أجل "الحرب على الإرهاب". التصادم بين القيم الديمقراطية واعتبارات الهوية الوطنية هو أيضاً عامل مشترك إلى حد ما. على سبيل المثال، في أوروبا اليوم، وخاصة في تلك البلدان حيث يشكل الانتماء العرقي عنصراً أساسياً في مفهوم الهوية الوطنية، في أعقاب تدفق اللاجئين بأعداد كبيرة من دول منطقة شمال أفريقيا والشرق الاوسط والصدامات الثقافية التي تلت ذلك. وبعبارة أخرى، وعلى الرغم من جوانبه السلبية، والتي يجب معالجتها بجدية، فإن الشعب الإسرائيلي اليهودي لا يظهر بوصفه استثناءً صارخاً بين الدول الديمقراطية الأخرى.

في الواقع، حافظت بعض النتائج التجريبية الأخيرة على الحجة القائلة بأن اليهود الإسرائيليين ليسوا خارج المسار بشأن العقيدة الديمقراطية الأساسية: عارضت أغلبية كبيرة (71.3%) ممن شملهم الاستطلاع في عينة تمثيلية وطنية منح مزيد من الحقوق في إسرائيل لمواطنيها اليهود؛ عارضت نسبة 69.2% تقييد القانون حق المواطنين في انتقاد سلطات الدولة علانية وبقسوة؛ وافقت نسبة 54.9% على أنه يجب على الدولة أن تضمن التمثيل النسبي في الخدمة المدنية للعرب الإسرائيليين. أما بالنسبة لمعارضة التقارب الاجتماعي، والذي يؤخذ عادة كمعيار صحيح للعنصرية، فإنه يبدو أن أكثر اليهود الإسرائيليين بعيدون عنه: لا تمانع نسبة 55.8% في وجود أسرة عربية جيراناً مباشرين ولا تمانع نسبة 77.8% أن يعالجهم طبيب عربي.

الإلمام بالمبادئ الديمقراطية والدعم المجرد لها هما شرطان ضروريان ولكن غير كافيين من أجل ثقافة ديمقراطية مستقرة.

 ومن المسلم به، أن هذه المؤشرات الإيجابية لا ينبغي أن تجعلنا نغمض أعيننا عن الجانب المظلم من العقلية اليهودية الإسرائيلية: على سبيل المثال، وافقت نسبة 59.1% على أنه لأغراض الأمن يجب أن يكون للدولة سلطة مراقبة على مراسلات الإنترنت الخاصة لـ (جميع) المواطنين. وبالإضافة إلى ذلك، وافقت نسبة 60.8% على أن المواطنين الذين يوافقون على الولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية، ولرموزها وسيادتها وإعلان استقلالها، هم فقط لهم حق التصويت والترشح للهيئات التمثيلية. مرة أخرى في عام 2015، وافقت نسبة 73.6% على أنه يجب اتخاذ القرارات الحاسمة للشؤون الخارجية والأمنية فقط استناداً إلى الأغلبية اليهودية؛ وتعتقد نسبة 53.6% نفس الشيء فيما يتعلق بالقرارات الحاسمة الوطنية الاقتصادية والمرتبطة بالحكومة. وأخيراً وليس آخراً، عارضت نسبة 56.6% إدراج الأحزاب العربية في الائتلاف الحاكم وترشيح وزراء عرب.

ماذا يمكن أن نستخلص من النتائج المذكورة أعلاه؟ الإلمام بالمبادئ الديمقراطية والدعم المجرد لها هما شرطان ضروريان ولكن غير كافيين من أجل ثقافة ديمقراطية مستقرة. في الواقع، يبدو أنه يوجد إمكانية ديمقراطية كبيرة في الرأي العام الإسرائيلي اليهودي، ولكن ذلك يحتاج إلى الكثير من العمل، وخير البر عاجله. وإذا لم يعالج القادة الصراعات المذكورة أعلاه بشكل صحيح، يمكن لهذه الإمكانية الديمقراطية أن تتآكل بسرعة. وينبغي بذل جهود مكثفة لتعميق الوعي الديمقراطي القائم وتحريكه بشكل أكبر في الاتجاه العملي.

وبطبيعة الحال، تقع هذه المسؤولية أساساً على عاتق النخب السياسية. وللأسف، لا يقوم معظم كبار القادة السياسيين الإسرائيليين بأداء رسالتهم باعتبارهم مفسرين وناشرين للأفكارالديمقراطية. لقد أعطى رئيس إسرائيل، رؤوفين ريفلين، مؤخراً مثالاً مشجعاً ولكن غير اعتيادي لكيفية القيام بذلك وضرورة ذلك. ريفلين هو من أكبر أنصار البرنامج القومي اليميني. بطريقة غير مسبوقة وشجاعة، أعرب ريفلين مراراً وعلناً عن التزامه التام بحقوق الإنسان والحقوق المدنية للمواطنين العرب. وبعدم الاكتراث بالردود الوقحة، بما في ذلك الصفحة الرئيسية الرسمية لموقع الرئيس، والتصريحات اللاذعة من زملائه السابقين في حزب الليكود، بما في ذلك رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، فقد تمسك الرئيس بمواقفه.

للأسف، ريفلين هو الاستثناء. وفي الواقع، غالباً ما تتنافس المناصب السياسية العليا الحالية في إسرائيل مع بعضها البعض في الوعظ بأن الأمن فوق كل اعتبار والتأكيد على القيم اليهودية الخاصة وفي نفس الوقت خفض القيم الديمقراطية العالمية. وفي مقابل خلفية هذه الإشارات الهابطة غير الديمقراطية، قد لا تزدهر آراء الشعب ومشاعره عن الديمقراطية الوليدة. وبدون التزام قوي وتوجيه ديمقراطي، فإن مصير القاعدة الشعبية الإسرائيلية أن تنمو فقط كأزهار الشر.