لما على العالم أتباع النهج الأسكتلندي القائم على حقوق الإنسان

/userfiles/image/Packer_Image-07-23-21.jpg

لتعليق على الصورة: الوزراء يحضرون إفتتاح الجلسة العامة في اليوم الثاني من إجتماعات وزراء الخارجية والتنمية لمجموعة الدول السبع في قصر لانكستر في لندن، بريطانيا، مايو 2021م. إي إف إي/إي إي/هولي أدامز  

في مارس 2021م، إصدرت الحكومة الإسكتلندية تقرير الفريق الوطني لقيادة حقوق الإنسان. ويدعو التقرير ويحدد المعايير لنهج قائم على حقوق الإنسان فيما يخص صياغة القوانين وصناعة السياسات الوطنية.

وهذا "النهج المبني على حقوق الإنسان"، (HRBA)، هو طريقة واعدة لإعادة تأطير وحل العديد من المشاكل الملحة والمعاصرة من قبيل إنعدام المساواة والعلاقات مع الأقليات المتنوعة والسكان الأصليين والمهاجرين واللاجئين والسياسات الإجتماعية المختلفة وقواعد الصحة العامة والتعافي بعد جائحة كوفيد-19. وبما أن مجموعة الدول السبع تبنت مؤخرا إستراتيجية جديدة "إعادة بناء العالم على نحو أفضل" (B3W)، فإن على الدول التي تتطلع للمستقبل أن تلقي نظرة ثاقبة على نهج HRBA وأن تتبناه كاملاً من أجل تحسين الحوكمة وعملية صناعة السياسات ووضع القوانين في كل المجالات وعلى كل المستويات.

إن HRBA هو إطار نظري لعملية التنمية البشرية وهذا الأطار مبني على معايير حقوق الإنسان الدولية وموجه بشكل إجرائي لتعزيز وحماية حقوق الإنسان. ويسعى هذا النهج لتحليل اللامساواة والذي يصب في صميم الإهتمامات التنموية، وتجاوز الممارسات التمييزية والتوزيع غير العادل للسلطة، والتي تعوق التنمية وتنتج عنها غالباً تهميش لبعض الفئات.

ظهر هذا النهج قبل حوالي عشرين سنة في أطار الأمم المتحدة وحاز تدريجياً الشهرة والقبول لدى المنظمات التنموية الدولية، وإلى حد ما، في التنمية المحلية. وعلى الرغم من أنه معروف جيداً منذ وقت طويل، فإنه ما زال يُنظر إليه على أنه "جديد" و "مبتكر" في مسألة صياغة السياسات الوطنية ووضع القوانين. 

المثال الأحدث لتبني النهج على المستوى الوطني يعود لأسكتلندا، والتي أصدرت تقريراً كاملاً يمهد الطريق لمأسسة النهج. وتقرير الفريق الوطني لقيادة حقوق الإنسان هو خلاصة جهود عامين مضنيين من العمل بإشراك مسؤولين حكوميين وعلماء بازرين في مجال حقوق الإنسان وقطاع عريض من المجتمع المدني.

أولاً، يدعو التقرير إلى الدمج الكامل لحقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً في القانون الأسكتلندي، وبشكل صريح الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وفقاً للعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ومقررات مواثيق حقوق الإنسان الدولية الجوهرية الآخرى، وعلى وجه الخصوص القضاء على التمييز ضد النساء والتمييز العنصري وحقوق المعاقين. وهذا المطلب يؤسس المرحلة الأولى للنهج، مع التسليم بأن جوانب من قبيل التعليم والرعاية الصحية والضمان الإجتماعي والحياة الثقافية والإسكان والغذاء والملابس والمياه والصرف الصحي ليست مسألة اختيار سياسي أو صدقة، بل أنها جوهر حقوق الإنسان الأساسية الملزمة.  

ثانياً، يدعو التقرير صراحة إلى تشريع واجب الإعمال لحقوق الإنسان وتأسيس عملية تقييم تشريعية مسبقة "للتأكد من أن كل مشروع قانون مقترح يتوافق مع الحقوق المنصوص عليها في الإطار ويبرز الجوانب التي يسهم فيها المشروع المقترح في تطور تلك الحقوق". بمعنى آخر، لم يدعو الإطار التشريعي الأسكتلندي لمنع إنتهاكات حقوق الإنسان وحسب، لكنه دعا أيضاً إلى العمل بجد لتحسين وإعمال حقوق الإنسان. ويمثل هذا الشرط قفزة هائلة نحو مبدأ HBRA الأساسي التالي: كل سياسة أو قانون يجب أن تهدف إلى الإعمال الكامل والفعال لحقوق الإنسان. 

ويطالب التقرير بجعل جهود إعمال حقوق الإنسان جزء من تفويض السلطات العامة من خلال طرح واجبات محددة بخصوص آلية رفع الشكاوى وأجهزة الرقابة لضمان أن السلطات العامة تنفذ التزاماتها كاملة في مجال حقوق الإنسان. 

"لم يدعو الإطار التشريعي الأسكتلندي لمنع إنتهاكات حقوق الإنسان وحسب، لكنه دعا أيضاً إلى العمل بجد لتحسين وإعمال حقوق الإنسان"

أخيراً، يدعو التقرير لبناء عمليات تشريعية وتنفيذية وقضائية قائمة على المشاركة والمساءلة، وذلك عبر آليات إضافية ومحسنة لتلقي شكاوى حقوق الإنسان والإنصاف أو المعالجة وتضمين الحق الصريح للمشاركة الفعالة وما شابه.

ورغم التطلع والقبول الذي يحظى به، إلا أن هناك جوانب معينة من الممكن تحسينها في النهج الأسكتلندي الجديد من حيث قوة وشمول نهج الـ HRBA. مثلاً، يجب أن يتم التركيز بشكل خاص على ردم الفجوات بين الفئات الضعيفة وباقي أبناء المجتمع، ورفع مستوى "التشاور" مع أصحاب الحقوق إلى مستوى المشاركة الكاملة.

وبالنسبة لدعاة حقوق الإنسان حول العالم، يبرز التقرير الأسكتلندي لطابعه الاستشرافي – والذي يميزه عن النهج المجزأ والتفاعلي النمطي الموجود في غيرها من الأماكن، حتى فيما يعرف بالديمقراطيات "المتقدمة" والبلدان المهتمة بالعدالة الإجتماعية. فمثلاً، بدلاً من الاستمرار في التعامل مع حقوق الإنسان "كمجال من مجالات القانون"، يدعو التقرير الأسكتلندي إلى إدماج شامل لحقوق الإنسان في جميع المجالات.

وقد تمت الإشارة صراحة إلى إن HRBA هو المبدأ الأساسي لجدول أعمال التنمية المستدامة للعام 2030م، وينظر إليه على أنه المفتاح لحل أزمة كوفيد-19 وعملية التعافي ما بعد الجائحة. على الصعيد العالمي، أعتمدت بعض الحكومات هذا النهج كأساس لصنع السياسات وبرمجة المشاريع في مجالات التعاون الدولي والإسكان والصحة والحماية الإجتماعية وسياسات الرعاية. ومن ضمن الدول التي أتخذت خطوات في هذا الإتجاه تأتي نيوزيلندا وكندا. 

ويبدو أن كندا في وضع جيد لتطبيق هذا النهج، ويمكن أن يعزز البيان العملي إهتمام الآخرين. تقدم كندا نفسها في المقام الأول على أنها دولة رائدة عالمياً في تعزيز المساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان، ويمكن العثور على بعض الإشارات الصريحة لنهج HRBA في وثائق المساعدة الدولية الكندية وضمن الإستراتيجية الوطنية للإسكان. وقد دعت عدد من المنظمات الكندية إلى تبني نهج قائم على حقوق الإنسان للسياسات المرتبطة بالأمن القومي والمخدرات والهجرة والخدمات التنموية وتقسيم المدن. في أونتاريو، كبرى مقاطعات كندا (حوالي ثلاثة أضعاف سكان أسكتلندا)، أصدرت لجنة حقوق الإنسان في أونتاريو بيان سياسات يتضمن نهج قائم على حقوق الإنسان لإدارة جائحة كوفيد-19.

وفي الوقت ذاته، لا تتعامل كندا مع النهج القائم على حقوق الإنسان بشكل منهجي – رغم الإعتقاد السائد بأن كندا بلد "قائم على الحقوق". لا يشكل النهج (HRBA) موضوعاً أساسياً للنقاش في صياغة القوانين أو صنع السياسات أو في المجال الأكاديمي أو مؤسسات تمويل البحوث في كندا، على الرغم من إهتمام الجمهور المتزايد بقضايا جوهرية ومنهجية مثل العنصرية وأوجه عدم المساواة والحاجة إلى المصالحة  وتكافؤ الفرص. تطرح بعض المنظمات نهج HRBA (كما أسلفنا أعلاه) في بعض المبادرات ذات الصلة، ويُقدم في بعض الكورسات الجامعية وأحياناً يذكر في المؤتمرات العلمية المتخصصة، لكن هذه المبادرات لم تسفر عن جهد شامل ومنظم يماثل ما حصل في أسكتلندا. ومع ذلك، فتطبيق النهج في كندا، كعضو في مجموعة الدول السبع ودولة إتحادية مترامية الأطراف، في كل المجالات وعلى كل المستويات – سوف يوفر إشارات مرجعية مهمة، إن لم يكن نموذجاً للآخرين لإتباعه. والواقع أن هذا النهج ينطوي على إمكانات هائلة لكندا وغيرها من الدول لإعادة صياغة وحل القضايا الملحة، بما في ذلك العلاقات مع الأقليات المتنوعة والشعوب الأصلية والمهاجرين الدائمين والمؤقتين والسياسات الإجتماعية المختلفة بالإضافة إلى التدابير الخاصة بفيروس كوفيد ومسألة التعافي لما بعد الجائحة.

وسواء كان الأمر في كندا أو غيرها من الدول التي تتطلع إلى المستقبل، فقد حان الوقت للإطلاع على نهج HRBA وتبنيه في عملية وضع القوانين وصنع السياسات في كل المجالات وعلى كل المستويات. إن المثال الرائد الذي تقدمه أسكتلندا يمثل موجهاً جيداً في هذا الصدد. ولعل إنشاء فريق عمل وطني للنهج القائم على حقوق الإنسان، على غرار ما تم في اسكتلندا، سيمثل نقطة إنطلاق جيدة. يمكن للمؤسسات التعليمية والأكاديمية العديدة وكذلك منظمات الأمم المتحدة أن توفر دعماً منهجياً وإستشارياً رصيناً. إن كان العالم حقاً يسعى "للبناء على نحو أفضل" بعد جائحة كوفيد-19 كما تعتزم مجموعة الدول السبع، فإن إسكتلندا تقدم نموذجاً مهماً لفعل ذلك. وعلى العالم أن يتبعها الآن. 

* سلافا بالان: طالبة دكتوراه في القانون في جامعة أوتاوا. يركز بحثها بشكل رئيسي على النهج القائم على حقوق الإنسان للحوكمة ووضع القوانين والسياسيات والتنمية.