توسيع مجال العمل المدني يستلزم الإبداع والإدارة الرشيدة

Flickr/United Nations Photo (Some rights reserved)

Women receive weaving training from an NGO in Addis Ababa. In Ethiopia, over 500 local groups have been supported through the provision of small grants and capacity development initiatives.


في السابع والعشرين من يونيو/حزيران قام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتبنى قراراً يهدف لحماية مجال  عمل منظمات المجتمع المدني. وقوبل هذا القرار بالترحيب بالشديد، خاصة بعد أحدث تقرير أصدره سيفيكوس/ CIVICUS (التحالف الدولي العالمي لمشاركة المواطنين) لحالة منظمات المجتمع المدني والذي تم التأكيد فيه  مجدداً على الخطر المتنامي لحريات منظمات المجتمع المدني حول العالم. ولكن ما جذب انتباهي لم يكن القرار نفسه، بل قائمة الدول التي امتنعت عن التصويت أو صوتت برفض هذا القرار ومنهم روسيا وقرغيزستان وكينيا وإثيوبيا وجنوب أفريقيا ونيجيريا. واشتملت القائمة على دول تقع فيها منظمات المجتمع المدني تحت وطأة اللوائح التقييدية أو غيرها من أشكال القمع، وبالتالي لم يكن نمط التصويت بالشىء الصادم.

وهناك أيضاً بعض الدول التي يحوم الشك حول مصداقية واستمرارية الكثير من منظمات العمل المدني فيها والتي يتم تمويلها عادة من مصادر خارجية. تغيير نمط تقديم المساعدة جزء من هذا النقاش، ولكن بتغيير مصادر التمويل يتكشف لنا مشاكل أخرى، تشمل الضعف الداخلي للدولة والانفصال التام عن المجتمعات المختلفة والمواطنين. كما أوضح بعض الكتاب الآخرين نقاط هامة حول تمويل منظمات المجتمع المدني: إيدوين ريكوشناقش نماذج تجارية بديلة، وجيني هودجسون ناقشت الجزء الخاص بضرورة وحتمية التمويل المحلي، أما حسين بيومي فتناول جانب محدودية النشاطات الخيرية المحلية.

 فوجدنا أن العديد من المنظمات على المستويات المحلية والوطنية والدولية لم تقم بالتحضيرات المطلوبة لتتكيف مع هذه الأوقات العصيبة.

 وبالتالي فنحن أمام ملتقى من العوامل المؤثرة في استمرارية الجوانب المتعددة من المجتمع المدني (منظماته، والجهات الفعالة، والإجراءات) في أماكن شتي وبطرق مختلفة. وقد قام مجموعة من الباحثين والمشاركين باستطلاع هذا الأمر في عدد جديد من مجلة التنمية على صعيد الممارسة. فوجدنا أن العديد من المنظمات على المستويات المحلية والوطنية والدولية لم تقم بالتحضيرات المطلوبة لتتكيف مع هذه الأوقات العصيبة.

ولكن قائمة الدول الممتنعة عن التصويت أو المعارضة للقرار تشمل أيضاً دول تقوم أكاديمية إنتراك للتدريب الدولي فيها بالعمل مع منظمات المجتمع المدني المحلية غير الهادفة للربح – ذات مصادر تمويل خارجية – لتحسين ممارساتها وتعزيز أهدافها. ويستلزم هذا في غالب الأحيان العمل مع مسؤوليين حكوميين على الصعيد دون الوطني (المحلي). فهل يعني هذا بالضرورة أن مجال العمل المدني لا يتم تضييق الخناق عليه كما نظن؟   

فلننظر إلى دول مثل قرغيزستان وطاجيكستان حيث نجحنا في إشراك مسؤولين حكوميين محليين في بحث مشترك ودراسة تحليلية حول المشاكل الاجتماعية والاقتصادية لممثلي منظمات المجتمع المدني المحلية غيرالهادفة للربح. يجيب هذا العمل على أسئلة الحكومة بقوة، ولكنه يقوم بهذا بأسلوب لائق وفي نطاق يسمح بتبادل الاحترام والثقة بين الطرفين. فعلى سبيل المثال، في الفترة بين عامي 2012 و2015، قمنا بمساعدة منظمات العمل المدني غير الهادفة للربح في أربع مدن في جنوب قرغيزستان وطاجيكستان، على القيام ببحث وإنشاء مبادرات تهتم بعمالة الشباب، والتى وُصفت بكونها السبب الجذري في نشوب النزاعات في وادي فرغانة. اشترك مجموعة من المسؤولين المحليين في مجتمع مهني (يقصد به مجموعة من الأفراد لهم نفس الوظيفة أو الحرفة) أثناء المشروع. وعلي مدار عام 2015 - 2016 دعمنا المدربين المحليين ليقوموا بتدريب الكفاءات من ممثلي المجتمع المدني في المناطق الأكثر فقراً في قرغيزستان. واشترك المسؤولون المحليون في الفعاليات وأظهروا اهتماماً صادقاً في الدور الذي يمكن للمجتمع المدني القيام به في هذه الأقاليم، بما فيه من تمويل مادي ودعم سياسي لمؤسسات اجتماعية جديدة أُنشئت بداخل المشروع. فعملنا دائماً ما يتم من خلال العمل مع وسطاء ومستشارين محليين، ولكن يظل التمويل من مصادر خارجية.   

تعد إثيوبيا مثالاً آخر على هذا، حيث قام برنامج دعم المجتمع المدني- والممول من قِبل عدد من الوكالات المتبرعة الخارجية ويشترك فيه مستشارين ومدربين دوليين – بتوفير منح صغيرة ومبادرات لتنمية الكفاءات لأكثر من 500 منظمة محلية. فقد وجد هذا البرنامج أن التأكيد على دعم "التعدادات السكانية صعبة الوصول إليها" سيوفر هدف محدد ولغة مشتركة بين ممثلي الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. وهناك دلائل على نجاح هذا النهج في بناء ثقة متبادلة أثمر عنها المزيد من التعاون المشترك البنّاء بين الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. ففي كينيا، قام صندوق تنمية المجتمع الكيني ومنظمات محلية أخرى بتحديد طرق لتعزيز منظمات المجتمع المدني من الداخل، في محاولة منها لتحسين العلاقات بين السلطات اللامركزية والقطاع الخاص. وفي نيجيريا، قام برنامج مساءلة الدولة ومبادرة دعم الآراء (SAVI) باستخدام نهج اقتصادي سياسي لتحديد النقاط التي قد تكون أسباب جذب لمزيد من المستثمرين، ثم قامت بمساعدة منظمات المجتمع المدني في الانخراط مع وسائل الإعلام وصانعي القرار في الحكومة للوصول إلي أجندات عمل مشتركة للحث على التغيير.


Flickr/United Nations Photo (Some rights reserved)

Women receive weaving training from an NGO in Addis Ababa. In Ethiopia, over 500 local groups have been supported through the provision of small grants and capacity development initiatives.


هذه المبادرات عادة ما تتم في نطاق ضيق وقد يبدو للعيان أنها غير مؤثرة بشكل فوري ولا واسعة الانتشار مقارنة بالصورة الكبرى للمشاكل على نطاق دولي. وبالفعل هذه المبادرات ليست ثورية، ولا داعية للإخلال علناً، ولا مهددة للصفوة السياسية والأنظمة المحصنة. لأنها عادة ما تكون قائمة على أسس راسخة من بناء الكفاءات. فيرتكز دورها في الأصل على مساعدة المنظمات في التماس طريقها في إداراة مجال العمل المدني حتى تتمكن  من إحداث تغييرعلى المستوى المحلي. فمحور المباردة يتعلق بتوسيع الثغرات الصغيرة المفتوحة لمجال العمل المدني يمكن من خلالها تكوين علاقات متبادلة من الثقة في مجال تتداخل فيه الحدود السياسية والمدنية والخاصة ويصيبها الضباب. هذا نهج طويل الأمد يهدف إلى زيادة الوعي الاجتماعي والمدني، وإقناع أفراد المجتمع بأهمية دورالمجتمع المدني.  

خبرتنا في هذا المجال تدعو لمزيد من الكياسة والفطنة في النقاش المطروح بشأن غلق مجال العمل المدني. ففي الاجتماع الأخير للجمعية الدولية لأبحاث القطاع الثالث تم عرض لجان متعددة، وأبحاث ومناقشات الموائد  المستديرة حول جوانب عمل المجتمع المدني، وشمل هذا النقاش التمويل الأجنبي واستمرارية المجتمع المدني وتدخلات الديموقراطية. وقد قام العديد من المشاركين بتقديم دليل جديد على الخبر المعتاد من غلق مجال منظمات العمل المدني. ولكن كان هناك أيضاً مساهمات قيمة من الأماكن العديدة التي "يتوسع وينتشر" فيها مجال عمل منظمات العمل المدني ويتطور باستمرار، مطالبة بالمزيد من الأدلة من ميدان العمل على محاولات هذه المنظمات على التكيف.

القيام بحملات مباشرة وحركات عالمية لحماية مجال العمل المدني أمر ضروري، ولكن التصدي المباشر لغلق مجالات العلم المدني قد يأتي بنتائج عكسية تضر النشطاء المحليين والحقوقين المدافعين عن حقوق الإنسان. هناك طرق أكثر إبتكاراً وإبداعاً تُمكن منظمات المجتمع المدني المحلية من بناء الثقة وإدارة مجال عملهم بطرق يستفيدون منها، هذه الاستفادة تشمل التمويل الأجنبي والدعم الخارجي أيضاً. فعلينا نشر هذه الأدلة والبحث عن خيارات أخرى تساعدنا في زيادة حجم المبادرات والتي تعمل دون تعكير صفو العلاقات الهشة بين منظمات المجتمع المدني والحكومة، ولا تضر بمصداقية منظمات المجتمع المدني المشتركة.    

كما يحتاج ممولو منظمات المجتمع المدني للتفكير بشكل أكثر إبتكاراً وإبداعاً في كيفية دعم هذه المنظمات بطرق تسهم في إطالة عمر فعاليتهم، وتحسين مصداقيتهم واستمراريتهم، ومساعداتهم في إدارة إطارات العمل التنظيمية والأجواء السياسية المحيطة بهم. فمجالات العمل المدني التي قد تبدو للعيان أنها مغلقة، قد لا يزال بها بعض الشقوق التي يمكن للمجتمع المدني النفاذ إليها وتحصيل الغنائم. فأوقات الاضطراب قد تمثل فرص مثالية لإيجاد طرق أفضل تساعد في المضي قدماً.