عنوان المقال: نتائج الأبحاث تظهر أن ممارسات حقوق الإنسان بحاجة إلى النقد البناء

يعلم معظمنا المقصود بممارسة مهارة ما مثل تقاذف الكرات في الهواءأو الرقص، ولكن ما المقصود بممارسات حقوق الإنسان بالضبط؟

انهالت علينا منذ اللحظة الأولى لانطلاق منتدى OpenGlobalRights (OGR) المشاركات الناقدة لممارسات حقوق الإنسان

من خلال الدعوة إليها ودعم أنشطتها وتعزيز الحوار حول التحديات المعاصرة التي تواجه حركات حقوق الإنسان. وقد كان انطلاق المنتدى في ح  ذاته دليلاً على ما أشرت إليه سابقاً بـ"منحنى الممارسة" في المجال الأكاديمي لدراسة حقوق الإنسان-وهو مجال يركز على ممارسات حقوق الإنسان كموضوع للبحث ويمنح الفرصة للباحثين والممارسين للتعاون والتواصل معاً، كما يركز على الاستراتيجيات والتكتيكات المستخدمة والمتبعة لتعزيز حقوق الإنسان والنهوض بها.  

ولكن بالرغم من انتشار مصطلح "ممارسات حقوق الإنسان"، إلا أنه يظل مصطلح مبهم أو فضفاض لم يسبر أغواره أحد. ومن أهم جوانب التطور التي حدثت في المجال الأكاديمي حديثاً، ما أراه من محاولة لتحديد وتعريف معنى ممارسات حقوق الإنسان وما المقصود بها. ثم يتعين علينا (الدارسون الأكاديميون والممارسون) أن نضع تحديداً للطبيعة الاجتماعية لهذه الممارسات وأخيراً علينا اقتراح كيف يمكن لمنحنى حقوق الإنسان السماح بالتحقيق النقدي لحقوق الإنسان بهدف تدعيم الممارسة وتحسين نتائجها.  

Pixabay/gerait/CC0 Creative Commons (Some Rights Reserved).

The social practice of human rights captures the overlap of work at the intersection of research and advocacy. 


في الحقيقة لا يوجد قصور لغوي في الكلمات التي يمكن أن نستخدمها في وصف الأفعال المتعلقة بحقوق الإنسان: تنفيذ وفرض وامتثال ومراقبة وتقييم وتقدير وقياس وحماية وتوفير وحماية وزعم وتأييد و صراع ومناصرة وتدريب وتمتع وتدخل وتدوين وتقنين وضم للمؤسسات واستيعاب من بين غيرها من الكلمات الواصفة. هذه الكلمات مع بعضها تنسج عالم العمل في حقوق الإنسان، وتتجمع معاً مكونة رقعات تسد شقوق وثغرات صرح الحياة الاجتماعية التي عادة ما ينسل من بينها الرفاه الإنساني. ممارسات حقوق الإنسان هي في حقيقتها العملية الفعّالة والتي من خلالها تُمارس هذه القواعد والأفكار والكلمات في حياة وتجارب الأفراد، وكمصطلح نظري فهو جامع للخصائص الجوهرية للعمل الذي يقف خلف تحويلها إلى حقيقة ملموسة على أرض الواقع.       

وحتى نتمكن من تحديد معنى وقيمة لفظة الممارسة في سياق حقوق الإنسان، فلعل ممارسة الطب مثال أفضل للمقارنة من تقاذف الكرات في الهواء وممارسة الرقص. في هذا الجزء، الممارسة هنا تعني المشاركة في مجموعة منظمة من الأنشطة وأنماط السلوك المحكومة بالقواعد والمرتبطة بيبئة احترافية بعينها. من خلال التعلم التدريجي البنّاء والاسترشاد بالتقدم العلمي والتكنولوجي، يقوم الطب بتطوير أُطر الممارسة لتستجيب بشكل لائق ومناسب مع نطاق عريض من المواقف الطارئة والحرجة. وبالتدريب والتكرار، يحدث تعميم للتفاصيل العملية التجريبية على القطاع بأكمله، بالإضافة إلى تشكُلها الفطري والغريزي الذي يأتي نتيجة المشاركة في الممارسة نفسها. وبالمثل فبحث الممارسة يعمل على توسيع وتمهيد المجال لاستطلاع قضايا وأمور حقوق الإنسان بداخل المجتمع والثقافة والسياسة. فمجتمع حقوق الإنسان والعاملين به هو السمة الجوهرية لهذا المجال الحديث.  

ممارسات حقوق الإنسان اجتماعية بشكل متأصل، ونحن نتفهم ونعي هذا جيداً.

ممارسات حقوق الإنسان اجتماعية بشكل متأصل، ونحن نتفهم ونعي هذا جيداً. فبلغة البحث نتحدث عن "مجتمع حقوق الإنسان" كما لو أنه شيئاً موجوداً بالفعل. ولكن ماذا نعني بهذا الاسم؟ نعني جزئياً، مجموعة متماسكة ومتناغمة من العاملين تجمعهم أهداف وهويات وقيم مشتركة. وقد يعني أيضاً، مشاركة الموارد والعمل جنباً إلى جنب، ولكن أعضاء مجتمع حقوق الإنسان ينافسون بعضهم البعض على موارد نادرة الوجود في الأصل.  لقب  هذا المجتمع ، الذي أطلقه العاملين بهذا المجال على أنفسهم، يدل على أنهم يريدون أن يصدقوا أنهم يعملون مع أفراد أخرى بشكل جماعي.

كما تتشكل المجتمعات أيضاً من خلال الممارسات والعادات المشتركة لأفرادها. فلننظر إلى مجتمع مثل "المجتمع الطبي"، الذي يعمل على تطوير معرفته بأفضل الطرق والوسائل لتعميمها على جميع الأعضاء لتحسين النتائج. الأمر الذي يجعل العاملين بمجال حقوق الإنسان يتماسكوا كمجتمع واحد هو التقارب بالممارسات المشتركة التي يقوم بها الأفراد ممن يرون في أنفسهم أنهم أعضاء في هذا المجتمع. ربما لا يعني التقارب هذا، الوقوف جنباً إلى جنب بشكل حرفي في كل لحظة، ولكن أفراد المجتمعات التي تقوم بممارسات خاصة يجمعهم دائماً قضية أو هدف مشترك ومجموعة من الاهتمامات المتشابكة والمتداخلة وقاعدة للحكمة التكتيكية التي قاموا بتطويرها من جيل لآخر عن طريق التجربة والخطأ.

ولكن المجتمعات الإنسانية لم يُعرف عنها مهاراتها  في مراجعة ونقد الذات. بل ما يحدث هو العكس، فالمجتمعات الإنسانية دائماً ما اتصفت بالنزوع إلى الانعزالية والميل نحو الاتجاه المحافظ بشكل فطري والتجمد عن التطور وقصر النظر والنزعة الدفاعية العدائية بدلاً من التقييم الذاتي ومراجعة النفس. ولذا فالعمل على ترسيخ دعائم التفكير النقدي في المجتمعات يثير سخط وغضب النخبة وصفوة المجتمع وأفراده مما يدفعهم للهجوم والنبذ والتجمع حول المركز، ولعل هذا سبب خروج نداءات الإصلاح والتغيير من هامش وأطراف المجتمع أولاً.

البحث في الممارسات الاجتماعية يضع مجال حقوق الإنسان تحت المنظار، فالعمل الذي يتم تحقيقه، أهم وأجل جزء فيه هو تفاصيله الصغيرة البسيطة. وعادة ما تتم هذه الجهود في الحوارات والنقاشات وأعمال الترجمة ومحاولات التواصل والتأمل والتعلم والمناقشة والتفسير. الممارسة الاجتماعية  طبقاً لهذه المعايير، ليست ما يحدث أمام القاضي أو هيئة تشريعية أو من خلف منصة خطابة. الممارسة الاجتماعية لحقوق الإنسان هي منظور الأفراد للطرق والأدوات التي تم تطويعها واستخدامها في بناء صرح القوة حجراً حجراً. ولكن حقوق الإنسان لم تعد مجرد حركة تعمل من أول درج في السلم، وهذا يرشدنا إلى مكون أخير وأساسي لمنحنى الممارسة: حتمية النقد المتناسب مع وضع مناصرة حقوق الإنسان.

تُظهر الممارسة المجتمعية لحقوق الإنسان تشابك وتداخل العمل في تقاطع البحث مع المناصرة. فالبحث في هذا المجال يسمح للأكاديمين التخلي عن أبراجهم العاجية والاشتباك بشكل شخصي في قلب ميدان العمل، ليمارسوا مواعظهم ونظرياتهم ولكن ليقوموا بالممارسة كشركاء أيضاً وجزء من الجسد الكبير الذي يسمى مجتمع العاملين بمجال حقوق الإنسان. أما بالنسبة للممارسين، الغارقين في صخب العمل، فقد يمنحهم الأكاديميون منظوراً جديداً وموضوعياً من خلال تطبيق تدربياتهم وطرق التحقيق والبحث على العادات والممارسات التي لطالما اعتبروها أمور مُسلم بها. ولهذا، فقد تزايد التعاون بين الباحثين الأكاديمين والممارسين وأصبح أكثر شيوعاً في المراكز والمؤسسات التي تقوم بالبحث العلمي الموجه نحو القيام بتغيير ملحوظ.

ربما يشعر الكثيرون بأن العمل بمجال حقوق الإنسان أشبه بقذف الكرات بالهواء أو الرقص أو ربما قذفها في الهواء أثناء الرقص، ولكن ممارسة نفس العادات لا يؤدي إلى التحسن والتطوير بمرور الوقت. الممارسة ليست طريقة نحو المثالية في هذه الحالة؛ بل طريق لإرساء عادات دائمة راسخة. فالباحثون الأكاديميون ممن يعملوا بداخل نموذج الممارسة الاجتماعية قد يستطيعوا لعب دور هام ومؤثر في تعريض مجتمع حقوق الإنسان إلى المزيد من الانتقاد من خلال النظر خلف الستائر والسماح لمساحة أكبر للضوء بالتسلل إليها. من خلال بناء علاقات تقوم على التعاون، يستطيع الباحثون أن يصيروا نقاد جديري بالثقة ومصدر أساسي للنقد البنّاء. لننفض عن مجال العمل حقوق الإنسان غبار الرضا عن النفس والتقاعس وتحريره من الروتين الخانق البروفات المستنفذة للنفس- فلبناء مجتمع ديناميكي للعاملين بمجال حقوق الإنسان-علينا جميعاً مسؤولية نقد ممارساته والمساهمة بشكل فعّال في دفع حماية حقوق الإنسان للأمام.