الوثيقة الإسلامية لحقوق الانسان المنسية

/userfiles/image/Noralla_Image-09-01-21.jpg

في الخامس من أغسطس من كل عام تأتي ذكري لا احد يحتفل بها او يتذكرها حتي: ذكري إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان فيالإسلام. الوثيقة التي تم تحضيرها بواسطة أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وتم الإعلان عنها في الخامس من أغسطس من العام 1990 ولقد كان الهدف المعلن من الوثيقة انشاء نظام حقوق الانسان وفقا لمبادئ الشريعة الإسلامية. ولكن ذلك الهدف لم يتم تحقيقه لليوم، حيث ان الدول لتي قامت بالتوقيع علي الوثيقة لم تتعد تتذكرها ولربما التأثير الأكبر لتلك الوثيقة هو اثارة الجدل في الأوساط المعنية بحقوق الانسان.

الانقسام ما بين الغرب والدول الإسلامية 

"غربي للغاية" اتهام لطالما طال نظام الأمم المتحدة منذ نشأته، فالبعض يراه أداة ونظام جديد تم تصميمة بواسطة الدول المستعمرة للإبقاء علي قوتهم في المنطقة من خلال ما يعرف ب “الاستعمار الجديد الثقافي". ويشير النقاد الإسلاميين ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان علي سبيل المثال تم تصميمة بشكل علماني ليعكس الثقافات الغربية في ذلك الوقت وتجاهل تماما الاختلافات الثقافية للشعوب الأخرى. ذلك النقد يأتي علي الرغم ان وفود بعض الدول الإسلامية شاركت في كتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنساني الا ان تلك الوفود شعرت ان اصواتها تم تجالها عمدا من قبل المستعمرين السابقين لتلك الدول. لربما يعبر عن ذلك شانون دين عندما كتب "واجه ممثلو الدول ذات الأغلبية المسلمة المهمة الصعبة المتمثلة في التوفيق بين فكرة أن مستعمريهم السابقين هم الآن طليعة ثورة أيديولوجية تهدف إلى تأكيد المساواة في الكرامة بين جميع البشر." 

هذا التوتر بين الدول الإسلامية ومستعمريها الغربيين السابقين سوف يزداد سوءًا خلال العقود القادمة، وسيؤدي في النهاية إلى انقسام واضح بين التفسير الغربي لحقوق الإنسان ونظرائهم في الدول الإسلامية. فكما وثقت سوزان والتز في استطلاعها لسجلات الأمم المتحدة في الفترة من 1946 إلى 1966، كانت هناك خمس قضايا مركزية ركزت عليها الوفود الإسلامية خلال مسودة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية: الحرية الدينية والحق في تغيير الدين؛ المساواة بين الجنسين في الزواج؛ العدالة الاجتماعية وعدم قابلية الحقوق للتجزئة؛ الحق في تقرير المصير؛ وتدابير التنفيذ.

وبالتالي، حتى يومنا هذا، غالبًا ما تقدم الدول الإسلامية تحفظات تتعلق بالشريعة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الرئيسية التي تعتبرها متعارضة مع الشريعة. بعض هذه القضايا هي المساواة بين الجنسين، والحريات الدينية، وحقوق مجتمع الميم.ع ، والعقاب البدني.

في الوقت الحاضر، لا تصدر الدول الإسلامية تحفظات فحسب، بل تعمل بشكل نشط لنشر نسختها من حقوق الإنسان في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لأنها غالبًا ما تمثل كتلة تصويت قوية يمكن أن تقوض أي قرار، وتستشهد بالشريعة والنسبية الثقافية كسبب لذلك التصويت. في عام 2014، على سبيل المثال، دعمت منظمة التعاون الإسلامي قرارًا يدعم التعريف الاجتماعي التقليدي الثنائي لماهية الأسرة، وفي مناسبات مختلفة حاولت منع القرارات التي تؤيد حقوق مجتمع الميم.ع.

القراءة الإسلامية لحقوق الانسان.

لم يتم اصدار إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام لمجرد تلك الاختلافات ما بين الدول الغربية والإسلامية، ولكن أيضًا من الشعور بأن نظام الأمم المتحدة المصمم من قبل الغرب قد فشل بشكل منهجي في معالجة القضايا ذات الأهمية الملحة للعالم الإسلامي مثل فلسطين، والصراع العربي الإسرائيلي، وكشمير. وهكذا، قرر أعضاء منظمة التعاون الإسلامي في أعقاب الحرب الباردة إنشاء نظام حقوق الإنسان الخاص بهم، والذي سيكون له جذوره في القرآن والحديث والتعاليم الإسلامية وسرد الأمة الإسلامية على أنها "حضارية وتاريخية". كنموذج للبشرية جمعاء، كما هو مذكور في ديباجته. ومع ذلك، فإن هذا الاعتماد الكبير على الشريعة يعني أنه يجب حذف بعض حقوق الإنسان من الوثيقة، الأمر الذي أثار جدلاً بين خبراء حقوق الإنسان الليبراليين.

يوضح التعليق الاتي من إياد مدني، الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي في عام 2014، في أي اتجاه تقف منظمة التعاون الإسلامي عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان: " هناك عدد من القضايا التي تتجاوز النطاق الطبيعي لحقوق الإنسان وتتعارض مع التعاليم الإسلامية". فمن ناحية يؤكد إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام علي الأدوار الاجتماعية التقليدية للنوع الاجتماعي و يوجد به قيود علي الحرية في التعبير والحريات الدينية و الحق في الجواز وبالطبع لا يوجد أي ذكر علي الاطلاق لحقوق مجتمع الميم.ع في الوثيقة. ولكن علي النحو الاخر يشجع الإعلان الحقوق الجماعية كالحق في الصحة والتعليم، ومن قراءة الإعلان نلاحظ ان التركيز بشكل كبير كان علي الحقوق الجماعية وليس علي الحقوق الفردية، حيث ان الإعلان يعتبر المصلحة الأكبر للمجتمع اهم من حقوق الفرد، شيئاً لا يتفق معه التعريف الغربي لحقوق الانسان الذي يضع حقوق الفرد أولاُ.

نتيجة لذلك وفي العام 2019 اعتمدت الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي قرار يتضمن ان اعلان يؤكد إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام غير متوافق مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. وطلب المجلس من كل من أذربيجان وتركيا والبانيا -الأعضاء بكل من المجلس ومنظمة التعاون الإسلامي- بالنأي بأنفسهم عن النسخة الإسلامية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

إرث ملوث

قد يكون اكثر وصف دقيق لإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام انه مجرد حبر علي ورق، حيث انه تم تجاهه بشكل تام بواسطة خبراء حقوق الانسان حول العالم وفشلت منظمة التعاون الإسلامي في تطبيقه علي أعضاءها. ومع ذلك، من المهم أن ننظر إلى إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام على أنه وثيقة رمزية وليست أداة لحقوق الإنسان، حيث إنه ساهم في البدا بمحادثة بين العالم الإسلامي ونظرائهم الغربيين وسمح للفهم الإسلامي لحقوق الإنسان أن يظهر بشكل أقوى في مجال حقوق الإنسان.

ومع ذلك، فإن أوجه القصور في إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام تتخطي مجرد عدم تطبيقه علي أعضاء منظمة التعاون الإسلامي. الاعتماد بشكل أساسي على الشريعة يعني أن بعض الحقوق مثل حرية الكلام والتعبير سيتم تجاهلها دائمًا وأنه سيكون هناك شرائح كبيرة من المجتمع لن يتم ضمهم الي الفئات المحمية في الوثيقة وبناء علي ذلك تحتاج الدول الإسلامية إلى اعتماد وثيقة جديدة توفر حماية متساوية للأفراد، دون استبعاد أولئك الذين لا يتناسبون مع الفهم الأخلاقي للشريعة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا يعني أن السلطات الوطنية ستحتاج إلى إعادة تقييم كيفية تعاملها مع القضايا الحالية مثل مجتمع الميم.ع، التي يجرمها ويعاقب عليها معظم أعضاء منظمة التعاون الإسلامي وقضية المساواة بين الجنسين ، حيث لطالما جاء ترتيب دول منظمة التعاون الإسلامي متأخرا في العالم عندما يتعلق الأمر بذلك.

ومع ذلك، من الصعب رؤية هذه التغييرات تؤتي ثمارها فبعد كل شيء، فإن معظم دول منظمة التعاون الإسلامي يحكمها شكل أو آخر من الديكتاتورية، والذين من مصلحتهم تحيد وصل المواطنين الي حقوق الانسان وذلك للسيطرة علي الشعب بشكل افضل والشريعة لهؤلاء الحكام مجرد وسيلة اخري للتحكم في شعوبهم ولتبرير انتهاكاتهم المكررة لحقوق الانسان. هناك حاجة إلى تغيير جوهري داخل منظمة المؤتمر الإسلامي وأعضائها لتعزيز المؤسسات الديمقراطية والمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان داخل أعضائها.

في بداية العقد الثاني من الألفينات بدأت منظمة التعاون الإسلامي بعملية مراجعة دامت أعوام لإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام وكانت النتيجة وثيقة جديدة تحمل اسم جديد " إعلان منظمة التعاون الإسلامي لحقوق الإنسان" وكان المقرر ان يتم الموافقة علي الوثيقة في العام 2020، ولكن تم تأجيل ذلك بسبب فيرس كوقيد-19 المستجد. وبينما نحن نودع اعلان القاهرة سيحدد الوقت فقط ما إذا كانت منظمة التعاون الإسلامي قد تعلمت أي شيء من إرث الاعلان وما إذا كانت الوثيقة الجديدة ستحل أوجه القصور في اعلان القاهرة.