ماضي المستقبل: بحثاً عن

/userfiles/image/Jensen_Image-07-06-21.jpg

في مقال صدر عام 2013 بعنوان "هل الماضي مهم؟" قال فيليب ألستون بأن "هناك صراع على روح حركة حقوق الإنسان، وهذا الصراع تدور رحاه في دائرة التاريخ". إن رسالته واضحة: التاريخ مهم لحقوق الإنسان المعاصرة.

توصل ألستون إلى وجود توتر قائم بين النزوع نحو المقاربات الضيقة، مقابل المقاربات الأعرض والأكثر تعدداً في كتابة تاريخ حقوق الإنسان. إنه هذا التوتر – بسردياته المتنازع حولها – الذي يعكس "الصراع على روح" الحركة بشكل أعم.

لكن بعد عشر سنوات، يمكننا عمل تقييم أوسع لكيف تطور هذا التوتر والخلاف على الاشتباك مع التاريخ. كان التغير كبيراً. شهد العقد الثاني من الألفية اهتماماً كبيراً بكتابة تاريخ حقوق الإنسان. والحق أن هذا المجال البحثي قد أصبح هو الأكثر دينامية في حقل التاريخ المعرفي.

من ثم، أصبح تاريخ حقوق الإنسان أكثر تنوعاً جغرافياً، وأكثر تبايناً من حيث موضوعاته، وتفسيراته أصبحت أعقد، فضلاً عن تنوع الفاعلين الذين يتناولهم هذا التاريخ، والمصادر التاريخية التي يتم الرجوع إليها.

ولقد استكشف مؤرخو حقوق الإنسان بعدة سبل سؤال: ماذا كان مشروع حقوق الإنسان؟ من خلال التعاطي مع هذا السؤال، سلطوا بلا شك ضوءاً جديداً على سؤال مختلف إلى حد ما: ما هو مشروع حقوق الإنسان؟ وفي خطوة طبيعية للمتابعة بناء على السؤال الأخير، كيف ظهرت أشكال الحركة الحالية والقضايا التي تركز عليها وتجمعاتها ومعسكراتها السياسية المختلفة؟ هذه الاستكشافات تسمح بنقد ذاتي صحي حول مثالب وإخفاقات وثغرات الحركة، فضلاً عن المنجزات السياسية الأعم وفهم الأهمية العالمية والمحلية لحقوق الإنسان.

عادة ما ينزع العمل بمجال حقوق الإنسان إلى الاهتمام بالحاضر حصراً. وليس السبب في هذا بالهين، إذ أن هناك مطالب واحتياجات كبيرة تتصل بالتعامل مع الانتهاكات واحتياجات الحماية هنا والآن. لكن علينا أن نسمح لأنفسنا بإعادة النظر في الفهم المضلل – والمستمر بشكل مدهش – للماضي الذي يصيبنا بنقاط عمياء لا نراها ونحن نمضي إلى المستقبل.

كما أن تاريخ حقوق الإنسان ليس عن الماضي فقط. إنه يستكشف أيضاً المستويات الزمانية المختلفة لحقوق الإنسان. مثال: كيف ننظم وكيف نخبر الزمن في سياق حقوق الإنسان؟ إن إعادة التفكير في "زمنية" حقوق الإنسان قد شغل مؤخراً عقول عدة باحثين قانونيين وهذا بأشكال مفيدة. التفكير في "الزمنيات" مركزي وضروري بالطبع لممارسة التأريخ. كما قال الباحث القانوني والخبير الحقوقي الجنوب أفريقي البارز كريستوف هاينس ذات مرة: "التاريخ ومرور الزمن يبلوران ويلعبان دوراً في تحديد ما نعدّه حقوق الإنسان، وبالطبع ما نعتبره صواب وخطأ".

مع مراعاة كل هذه الجوانب والرؤى، فمن الممتع والمدهش أن تطلق "أوبن غلوبال رايتس" والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان سلسلة مقالات حول تاريخ حقوق الإنسان. سوف ننشر عدة مقالات تستعرض بحوثاً جديدة، ورؤى مختلفة، وتفسيرات مهمة على مدار الأشهر المقبلة، ونرحب باستقبال المزيد من المقالات ضمن هذه السلسلة.

الإطار الزمني الذي يغطيه المشروع هائل، يمتد من الثورة الفرنسية إلى بناء الأرشيفات للدستورية في الحاضر. النطاق الجغرافي يسلط الضوء على كيف كان التاريخ العابر للحدود مركزياً في الالتفاتة للتاريخ في الآونة الأخيرة، إذ أنه ألهم استكشاف فاعلين جدد وعمليات جديدة وصلات جديدة، فضلاً عن تحري جغرافيات مختلفة في كتابة تاريخ حقوق الإنسان.

مواضيع المقالات تركز على العمل الذي قام به مؤرخو حقوق الإنسان، والذي ثبت أنه واعد للغاية. هناك ثلاثة مواضيع نسلط الضوء عليها: 1) الحاجة إلى الاشتباك بشكل حقيقي مع كتابة تاريخ الحقوق الاجتماعية والاقتصادية من أجل فهم أكبر لتاريخ حقوق الإنسان. 2) الأدوار القوية والمهمة للفاعلين من الجنوب العالمي ومشاركتهم الحقوقية في تشكيل هذا التاريخ. 3) فهم أفضل للدور الكبير للفاعلات من النساء على مستوى العالم في تشكيل حركة حقوق الإنسان الدولية على امتداد القرن العشرين.

تمثل المقالات عينات على مساعي أكاديمية أكبر، وتهدف السلسلة إلى تسليط الضوء على التنوع التحليلي والإسهامات المهمة لمؤرخي حقوق الإنسان. من خلال هذه العدسة، التي تضاهي الطموح العالمي لمشروع حقوق الإنسان، نرى تواريخ أكثر تمثيلاً للحركة دون فقدان القدرة على التحليل الناقد. الموضوعات المختارة للمقالات تمثل أيضاً مجالات من الضروري أن نجدد فهمنا لها، وهو الأمر الذي تأخر كثيراً وكان لابد من التعامل معه اليوم قبل الغد.

سلسلة المقالات مهداة إلى ذكرى أحد محرري "أوبن غلوبال رايتس" الراحلين، وهو ديفيد بيتراسيك، الذي رحل عن عالمنا في مايو/أيار 2020. كانت فكرته أن تدير "أوبن غلوبال رايتس" سلسلة مقالات عن تاريخ حقوق الإنسان. في عام 2019 تواصل مع ستيفن ينسن من المعهد الدنماركي لحقوق الإنسان للتفكير معاً في كيف يمكن وضع سلسلة مقالات كهذه، وما الإسهامات المنتظرة فيها. كان هذا هو طابع ديفيد وفضوله الفكري وخبراته المهنية الواسعة، وإخلاصه لحقوق الإنسان.. إذ رأى أن هناك أمر ما جديد يهم قطاعات أكبر، وأن على "أوبن غلوبال رايتس" أن تتعاطى معه وتجعله متاحاً لقاعدة كبيرة من القراء.

وبسبب وصول مرض ديفيد إلى مرحلة متأخرة واحتياجه إلى العلاج، تأجلت خطط السلسلة. استمر ديفيد في تكريس وقته للعمل لصالح "أوبن غلوبال رايتس" حتى النهاية. كان زميلاً رائعاً وشريكاً متعاوناً، وكان من دواعي السرور دائماً أن يعمل معه المرء، وكان دائماً ما يُحسن من مستوى المقالات أثناء تحريرها قبل النشر. سوف يفتقده الكثيرون. بعد رحيله بشهور أصبح من الواضح أنه من الضروري إحياء فكرته وتنفيذها. هذا سبب كبير أخر لإقدام "أوبن غلوبال رايتس" والمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان على هذه الخطوة. من المهم أن ننشر هذه السلسلة في ذكرى ديفيد بيتراسيك. فقد كانت فكرته وكونها كذلك يعطي سلسلة المقالات هذه كل الوجاهة والأهمية.