من حقوق الإنسان إلى حقوق الكائنات الشاعرة: الجيل التالي من التفكير الحقوقي

إن منح الحقوق كان علامة فاصلة وهامة على طريق تقدم البشرية الوعر غير واثق الخطى. سؤال من – بل وحتى ما – يستحق الحقوق، كان له بدوره تاريخ طويل.

في حين أن العديد للأسف ما زالوا يجادلون حول من هم البشر الذين يستحقون الحقوق، فهناك آخرون مضوا على الطريق وأصبحوا يفضلون إعطاء الحقوق لجميع البشر، وهو الرأي الذي يبرزه بقوة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. كما أن هناك كثيرون يتجادلون حول الكائنات الأخرى التي يجب أن يكون لها حقوق، بما يشمل الحيوانات، وبعض عناصر البيئة الطبيعية، بل وحتى الكيانات التي لديها ذكاء اصطناعي. أقترح هنا تسوية هذه الخلافات بالتركيز على سمة "الشعور" أو الإحساسية.

بالأساس فإن الشعور هو القدرة على أن يخبر الكائن الأشياء بشكل ذاتي: القدرة على المعاناة، وعلى الإحساس بالمتعة، وعلى تعرض الكائن للإحساس بأنه بخير. ومن هذا المنطلق، فهذه السمة تُعد مكوناً من مكونات الوعي لا يمكن – أخلاقياً – تجاوزها المرور عليها مرور الكرام.

إذا كان هدفنا الأساسي من منح الحقوق هو تقليل المعاناة وتحسين الازدهار، فإن استخدام "الشعور" بصفته السمة الأساسية هنا يعتبر أمراً منطقياً. لماذا ننح الحقوق لشيء لا يمكنه أن يعاني؟ لم لا نمنح الحقوق لشيء يمكنه أن يعاني؟ كما قال جيرمي بينتام في عام 1879: "السؤال ليس: هل يمكنهم أن يفكروا بشكل منطقي؟ ولا: هل يمكنهم أن يتكلموا؟ إنما هو: هل يمكنهم أن يعانوا؟"

فهذه السمة تُعد مكوناً من مكونات الوعي لا يمكن – أخلاقياً – تجاوزها المرور عليها مرور الكرام.

يحاجج البعض بأننا بحاجة إلى عتبة أعلى. يقترح الإنسانيون الذين يركزون في رؤيتهم على البشر، أن تقتصر الحقوق على الجنس البشري. ومنظمات مناهضة القسوة مثل RSPCA تمنح الحقوق للحيوانات الأليفة وللحيوانات البرية التي تتمتع بكاريزما، لكن تقدم حقوقاً أقل لحيوانات المزارع المستأنسة. وهناك نشطاء آخرون يركزون على الكيانات الواعية تماماً والمستقلة وقادرة على تحديد مصيرها والأخلاقية، بما يعني أن يكون الكيان المعني "شخصاً". أقول بأنه إذا كان الأساس في منح الحقوق هو تقليل المعاناة، فعلينا إذن أن نمنحها لكل شيء قادر على المعاناة.

إننا إذا قبلنا هذا القول، فالسؤال التالي سيكون: "ما هي الأشياء الشاعرة؟" بادئ ذي بدء، نحن جميعاً على ثقة بأننا نشعر. قد يبدو تقدير "شعور" الكيانات الأخرى مسألة صعبة الحسم فلسفياً، لكن يمكننا أن نستبطن وبكل ثقة وجود الشعور، عن طريق رصد ومراقبة السلوكيات والوظائف الحيوية (عن طريق التشريح والأشعة التشخيصية مثلاً). ونظراً لأن البشر يتصرفون بشكل متشابه ولهم تقريباً نفس الأجهزة والوظائف العصبية، فمن الطبيعي استنتاج أننا جميعاً كائنات شاعرة.

نفس المنطق يؤدي بنا إلى استنتاج أن الكثير من الحيوانات كائنات شاعرة. نحن بحاجة إلى المزيد من البحوث حول هذه النقطة، لكن البحوث العلمية الحالية تشير إلى أن جميع الثدييات والطيور والزواحف والبرمائيات وأغلب الأسماك والحشرات كائنات شاعرة. وبالنسبة إلى بعض الأنواع الحية، لم نتأكد من هذا بعد. لكننا نعرف أن هذه الحيوانات موجودة وحقوقها وحقوق البشر يجب أن تكون أولوية عالمية للجميع. كما أنه ونظراً لدور صناعة تربية المواشي في التسريع بعجلة حالة الطوارئ المناخية، فإن مصالح البشر والكائنات غير البشرية آخذة في الالتقاء بشكل متسارع.

وفي الوقت نفسه، في حين يعتبر البشر والحيوانات أولوية واضحة لهذا الجيل التالي من التفكير الحقوقي، فربما نقوم في مرحلة ما بتخليق أو مقابلة أشكال أخرى من الكائنات الشاعرة. قد يحدث هذا قريباً، أو قد لا يحدث بالمرة، لكن أطرنا الحقوقية وفلسفاتنا يجب أن تكون مستوعبة لسيناريوهات المستقبل. التركيز على "الشعور" يساعدنا في هذا دون أن نحبس أنفسنا في تعريفات ضيقة وتعسفية للأنواع أو لصنف بعينه من الأحياء. قد يبدو "الشعور" فئة متقدمة من عملية التعامل مع البيانات والمعلومات وهي تسري عبر جملة من أنواع الكائنات. فالمعاناة غير البيولوجية لا تعتبر أقل أصالة وحقيقية. وربما نأمل أيضاً في المستقبل أن تقوم الكيانات التي لديها ذكاء اصطناعي بالانضمام إلى أخلاق الكائنات الشاعرة، لصالحها الخاص. فالأخلاق البشرية وحدها قد لا تقنع الكيانات غير البشرية. 

لماذا ننح الحقوق لشيء لا يمكنه أن يعاني؟ لم لا نمنح الحقوق لشيء يمكنه أن يعاني؟

إن استخدام "الشعور" بصفته السمة المحددة والفاصلة يساعدنا أيضاً في استيضاح أي الكيانات هي التي لا تحتاج إلى حقوق. وتشمل مثلاً الشركات والنباتات والأنهار والجبال وجوانب أخرى من البيئة الطبيعية. هذه الأشياء قد تكون هامة لحياة وبقاء الحيوانات الشاعرة والبشر ومن ثم تحتاج إلى حماية، لكن لا يمكنها أن تعاني، ومن ثم فهي لا تحتاج إلى حقوق منفصلة تخصها.

هذه المقاربة "الشعورية" لها آثار بعيدة الأجل، لا سيما على كيفية معاملتنا للحيوانات. كما هو الحال بالنسبة للبشر، فإن التسبب في المعاناة وبل والوفاة مبرر أحياناً، لكن يجب أن يكون السبب قوياً ومهماً. إن استخدام الحيوانات كأطعمة ومشروبات وفي منتجات للبشر ليس بالمبرر الكافي. علينا أن نفكر في معاناة ووفاة حيوانات المزرعة بنفس كيفية تفكيرنا في التسبب في المعاناة والوفاة للحيوانات الأليفة خاصتنا أو الحيوانات البرية التي لديها كاريزما. فالحيوانات التي تتم تربيتها للحومها أو منتجاتها هي كائنات شاعرة بنفس القدر. ومنح الحقوق الأساسية الخاصة بالسلامة البدنية للحيوانات الشاعرة يقتضي إنهاء عمليات تربية الحيوانات للحومها ومنتجاتها، والتحول الكامل نحو الزراعة. هذا يعني تجنب إلحاق المعاناة والوفاة لأكثر من 100 مليار حيوان يشعر كل عام، وسوف يقلل كثيراً من تأثيرنا السلبي على المناخ، بل وحتى قد يساعد في إنقاذ الغابات المطيرة، مع تحرير مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة الأشعار ولتعمير الغابات التي تحولت لأراضي للرعي. قد يبدو هذا تغيراً راديكالياً نظراً لمدى انتشار تربية الحيوانات على مستوى العالم، ونظراً لأهمية هذا الأمر ثقافياً وحضارياً، لكن الفوائد واضحة وجلية. لقد تم بالفعل بذل عمل جاد لإظهار كيفية تنفيذنا لهذه المرحلة الانتقالية، بما يشمل هذا التحليل الذي يركز على المملكة المتحدة الذي أجرته "مؤسسة الاقتصاد الجديد" و"جمعية النباتيين/فيجان". تشمل هذه العملية تعديل مسار المساعدات الحكومية، وتقديم الدعم للمجتمعات الزراعية مع انتقالها بعيداً عن تربية الحيوانات، مع إدارتها للحيوانات بنفسها أثناء العملية الانتقالية.

فمع توسيع الدائرة المشمولة بالعدسة الأخلاقية، في نطاق وخارج نطاق الجنس البشري، سوف نستفيد جميعاً.

كما أن "الشعور" يعزز من أجندة حقوق الإنسان. فبالإضافة إلى الحافز القائم من واقع التضامن بين أبناء النوع البشري وإنسانيتنا المشتركة، فيمكننا أن نتشارك مع الكائنات الأخرى في التضامن انطلاقاً من "الشعور"، السمة المشتركة بيننا. هذه المقاربة قد تساعد في تنقيح البعض من جوانب التفكير الحقوقي. على سبيل المثال، فيما يخص مسألة الإجهاض، فإن "الشعور" لا يتعرض للأسئلة حول كيف نوازن بين حقوق الأم والجنين، لكنه يساعد في التركيز على الاعتبارات الأخلاقية التي يجب أن نعطيها للجنين في مختلف مراحل نموه. الشعور لا يبدأ لحظة الحمل، لكنه موجود في الطفل المولود حدياً. يمكن للعلم أن يساعدنا في الحكم على متى يبدأ الشعور أثناء عملية نمو الجنين، وكيف يتطور ذلك الشعور مع الوقت. من ثم، يمكننا موازنة المصالح والحقوق على أسس سليمة مستندة إلى الواقع.

ونظراً للنتائج الراديكالية أحياناً، المترتبة على البشر والحيوانات معاً، فإن الانتقال إلى حقوق الكائنات الشاعرة يمثل تحدٍ مختلف لمختلف الثقافات والدول والمناطق. فالكثيرون ممن يقاومون منح الحقوق للنساء والمرتدين عن أديانهم ومجتمع الميم والجماعات الإثنية الأخرى سيرفضون تقديم الحقوق للكائنات الشاعرة، إما بسبب معتقدات ميتافيزيقية أو تقاليد عميقة الجذور، أو لمجرد التخندق في دوجما حداثية ما. ورغم هذه التحديات، فإن أنصار منح الحقوق للكائنات الشاعرة يجب ألا يخافوا من المطالبة بهذه الحقوق على المستوى العالمي، كما فعلنا مع حقوق الإنسان. فجميع الكائنات الشاعرة قادرة على المعاناة والإحساس بأنها بخير. إننا جميعاً نتشارك في هذه الحقيقة المادية البدنية. ومن ثم، فمن المبرر أن نقترح التركيز بصورة شاملة وعالمية على استخدام الأدلة وتطبيق المنطق والنظر بعدسة أخلاقية إلى جميع الكائنات الشاعرة.

إن مد مظلة الحقوق إلى جميع الكائنات الشاعرة له تحديات أخرى. كيف يمكننا توفيق الاختلافات بين الحقوق؟ كيف يجب أن تختلف الحقوق بحسب الكائنات التي لديها مصالح وقدرات مختلفة؟ هل منح حقوق أعرض يعني توزيع أولوياتنا لدرجة مبالغ فيها؟ هل منح الحقوق لفئات جديدة يقوض من تمتع من لديهم هذه الحقوق بالفعل؟ هل نحتاج إلى إعلان عالمي لحقوق الكائنات الشاعرة؟

إن جميع هذه التحديات تقف أيضاً عقبة في طريق إتاحة حقوق الإنسان لجميع البشر، لكننا مصممون على منحها للجميع، والسبب جيد. فمع توسيع الدائرة المشمولة بالعدسة الأخلاقية، في نطاق وخارج نطاق الجنس البشري، سوف نستفيد جميعاً.


 


خالص الشكر إلى بيورن مكارثي المشارك في تأسيس حركة "أوبن-فور-أنيمالز" وأعضاء "مجتمع الكائنات الشاعرة" على مداخلاتهم ومقترحاتهم لهذا المقال. وأتقدم بالشكر أيضاً إلى ألاسدير كوشران لصكه مصطلح "حقوق الكائنات الشاعرة" وعلى السماح لي بإعادة استخدام عنوان ورقته البحثية في هذا المقال. أي أخطاء وردت في المقال هي أخطائي.

الشعورية هي فلسفة أخلاقية بسيطة ربما كانت قادرة على تحقيق إجماع، مفادها استخدام الأدلة والمنطق ومد مظلة العدسة الأخلاقية إلى جميع الكائنات الشاعرة. يمكن اعتبارها امتداداً للمذهب الإنساني. ويعمل أفراد من أكثر من 50 دولة على بناء مجتمع عالمي معني بالشعورية. يمكنكم العثور على مجموعات تخصنا على فيسبوك (صفحة عامة)، فيسبوك (بالاشتراك)، تويتر، ريديت، جودريدز، لينكدإن، انستغرام.