في مصر، حقوق الإنسان تحتاج إلى الدين

وفقا لكارولين كامل، تسييس الدين في مصر هو تدمير لحقوق الإنسان. لقد استنتجت أن الاستراتيجية العلمانية الشاملة هي الأمل الوحيد لتحقيق نتيجة أفضل للحقوق في مصر، وعملياً في كل مكان. يعتبر وصفها دقيقاً، ولكنه انتقائي، ولا يوجد ما يبرر استنتاجها. تعتبر كامل على حق من حيث أن الدين هو حالياً جزء من مشكلة الحقوق في مصر، ولكن على المدى الطويل يحتاج الدين إلى أن يكون، ويمكن أن يكون، جزءاً من الحل.

صحيح أنه لا يوجد حالياً أي حركة حقوق جماهيرية قائمة على أساس ديني في مصر، ولكن لا يوجد أيضاً أي حركة حقوق جادة قائمة على أساس علماني. يفتقر المحترفون العلمانيون في مجال الحقوق إلى وجود قاعدة جماهيرية. هم يقضون وقتهم عادة في إصدار بيانات صحفية عديمة الجدوى عما "يجب" أن تقوم به الحكومة التي تنتهك الحقوق في هذه اللحظة. يستطيع المتظاهرون العلمانيون الشباب في المناطق الحضرية أن يثيروا الضوضاء في ميدان التحرير، ولكن لا يمكنهم تحقيق أي عمل سياسي متماسك. لقد صوتت المنظمات العمالية العلمانية بأعداد كبيرة لصالح المرشح الرئاسي "الناصري" حمدين صباحي، الذي خسر لأنه فشل في التوافق مع المرشح الإسلامي المعتدل أبو الفتوح. عندما تضرب المنظمات العمالية العلمانية عن العمل، عادة ما يكون  للمطالبة برفع الأجور، وليس من أجل أجندة سياسية تقدمية ضمناً.

وعلى النقيض من هذه الجماعات العلمانية، يبدو التقدميون –مع وضعهم قدم واحدة مباشرة في المعسكر الديني– واثقين وأكثر فعالية. في عام 2012، التقيت مع أعضاء هيئة التدريس في جامعة الأزهر الشريف الإسلامية في القاهرة، الذين كانوا أكثر تقدمية بكثير مما تعني إشارة عابرة صادرة من كامل. يوجد طبيب في هذه الجامعة هو أحمد رجب، أستاذ الصحة الإنجابية، يحصل على تمويل من اليونيسيف لجمع البيانات عن ختان الإناث في مصر وأماكن أخرى للمسلمين في أفريقيا. ومن خلال عمله مع نظام علماني نسبياً خلال فترة حكم مبارك، استطاع مركزه أن يساعد في إنشاء عيادات صحة المرأة التي تدافع عن حقوق الإنسان في القرى الريفية المصرية. لقد قام هذا المركز بتسجيل مقاطع فيديو لأحاديث بعض أئمة الأزهر البارزين والتي تستخدمها المنظمات غير الحكومية لإقناع القرويين الأفارقة المسلمين أن القرآن لا يقر ختان الإناث.

وتوجد جماعات مماثلة على الجانب القبطي من المدينة. إحدى المنظمات غير الحكومية الأكثر مهنية وفعالية في مصر هي الهيئة القبطية الإنجيلية (CEOSS)، وهي منظمة قبطية إنجيلية (وليس الأرثوذكسية) إنسانية قائمة على أسا  الحقوق. وهي تركز على مشاريع إنمائية مستدامة اقتصادياً تتضمن النساء والمقيمين غير الأقباط.

كما أن كامل على حق فيما تشير إليه من أن البيئة السياسية المستقطبة دينياً في مصر تضر عمل هؤلاء التقدميين الدينيين. على سبيل المثال، تريد الهيئة القبطية الإنجيلية أن تشمل المستفيدين المسلمين في جهودها الإنمائية لإظهار أنها شاملة الجميع، ولكن يجب عليها الحرص في تجنب اتهامها بمحاولة تغيير الدين.

إذا ظهرت أي حركة دينية تؤيد الحقوق في مصر، فمن الصعوبة أن تكون في الصدارة. منذ سبعين سنة، كانت الكنيسة الكاثوليكية معقل الاستبداد في أمريكا اللاتينية، ولم يتوقع أحد أن يظهر فيما بعد حركة لاهوت تحررية تساعد الرواد الطلائع في النضال من أجل العدالة الاجتماعية. وقد قامت حتى المجتمعات الإسلامية باستضافة الحركات الجماهيرية الدينية التقدمية. أثناء المرحلة الانتقالية إلى الديمقراطية في إندونيسيا مؤخراً، تصدر المحافظون الدينيون في اتشيه العديد من عناوين الصحف في الغرب، ولكن السبب الرئيسي كان الدور المحوري الذي قام به الحزب الإسلامي المعتدل لأمين الريس في تحقيق ائتلافات حاكمة متعددة الطوائف وتقدمية على أساس التسامح والتراضي الديمقراطي.

في هذه الأماكن، كان جوهر النظام الاستبدادي القديم هو الجيش، مؤسسة علمانية. وقد تم قمع القوى العلمانية الشعبية على اليسار باستخدام القوة، واختير كثير من العلمانيين و المتدينيينفي الطبقة الوسطى لدعم النظام الحاكم. في حالات النجاح في أمريكا اللاتينية وإندونيسيا، ساعد حشد التحالف بين الفقراء المتعصبين دينياً والديمقراطيين الحضريين في كسر نظام القمع. وقد تحقق هذا التحالف بفضل صعود الحركات الدينية التقدمية الشعبية، التي أجبرت المؤسسات الدينية من المدرسة القديمة على إصلاح نفسها للحفاظ على قدرتها التنافسية على ساحة الأفكار الدينية.

هل يمكن لتحالف مماثل بين العلمانيين التقدميين والفقراء المتدينين إنشاء حركة جماهيرية قوية لدعم السياسات القائمة على الحقوق في مصر؟ ليس على الفور، وذلك للأسباب التي ذكرتها كامل. الأنظمة الاستبدادية في الشرق الأوسط، كما في أي أماكن أخرى، بارعة في لعبة فرق تسد، والتلاعب بأوراق العرقية والدينية والقبلية والجنسين لتقسيم الجماعات التي لها اهتمام بالحكم الذاتي الشعبي. وعلى وجه الخصوص، يعتبر تقسيم الطبقات الوسطى الحضرية من القرويين المتدينين، والأغلبية المتدينة من الأقليات، هو خدعة قديمة منذ عهد بسمارك.

عندما يمكن أن تنخدع الطبقات العاملة التقدمية بهذه الخدعة، فسوف ينتهي بها المطاف لتصبح حركات عمالية غير فعالة ومروضة سياسياً ويمكنها أن تحتفظ بدعم حكومي صغير لها فقط في حال إذا استمرت في دعم النظام العسكري. وبسبب الافتقار إلى علاقات جماهيرية أوسع من خلال حركة جماهيرية شاملة أو حزب سياسي جامع، فسوف تتعرض السياسات التقدمية للتقزم. وقد حدث ذلك على نحو مماثل في أمريكا اللاتينية وشمال أفريقيا.


Demotix/Adham Khorshed (All rights reserved) 

Hundreds of Egyptian students attend a religious lecture at Ain Shams University in Cairo regarding the political role of Egyptian youth.

 


 

 في مثل هذه الحالات وغيرها، تشجع الدولة العلمانية بنجاح التسامح من خلال المنظمات الدينية. وفي المقابل، فإن الدولة نفسها تتسامح مع دور ضمني من أجل الدين في المجال العام.

 والسؤال هو كيفية توسيع وتنظيم القاعدة التقدمية في البلدان الفقيرةالتي تنتشر فيها الأمية والمؤسسات الدينية الراسخة التي لا تكن المودة للخطاب  الخطاب الليبرالي عن الحقوق. من الممكن من خلال بعض الإعدادات إنشاء الأحزاب العلمانية بالكامل من العمال والفلاحين و/أو الفقراء. ولكن حتى في الأماكن التي تبدو أكثر ملاءمة للسياسات العلمانية بشكل كامل، مثل معظم أوروبا، فقد لعبت الأحزاب المسيحية الشاملة دوراً كبيراً في الانتقال إلى الاستقرار المعتدل والديمقراطي. وحيثما  تُفتَقَر هذه الأحزاب، كما هو الحال في فرنسا الثورية وتركيا الكمالية، يصبح النضال المطلوب من أجل تحقيق نوع من القانون العلماني ضد سيطرة القساوسة و في الاتجاه الذي تميل إليه كامل  أكثر دموية وتقسيماً. نموذج أفضل آخر هو نوع من العلمانية أكثر سهولة في تطبيقه وأكثر انتشاراً موجود في أماكن مختلفة مثل الولايات المتحدة وإندونيسيا. في مثل هذه الحالات وغيرها، تشجع الدولة العلمانية بنجاح التسامح من خلال المنظمات الدينية. وفي المقابل، فإن الدولة نفسهاتتسامح مع دور ضمني من أجل الدين في المجال العام.

تتمتع الأحزاب والحركات الاجتماعية التي تستند إلى جذور دينية بمزايا كبيرة وبخاصة في البلدان النامية التي لم تتحول حتى الآن إلى الديمقراطية بشكل كامل. في مثل هذه البلدان، عادة ما يكون مؤيدو العلمانية قليلين ومتباعدين عن بعضهم البعض تماماً. شبكات التواصل الاجتماعي والمؤسسات المحلية –التي يمكن أن تستمر في تعبئة جماهير الشعب في السياسات– هي في الغالب إما دينية أو عرقية. وبالمقارنة مع الشبكات العرقية، غالباً ما يكون لدى الأديان الرئيسية للخلاص الشخصي في العالم مذاهب تشمل مفاهيم العدالة والمساواة والرفاهية العامة بالمعنى الواسع. وعلى الرغم من أن هذه المذاهب الدينية لديها أيضاً العناصر التي يمكن استغلالها للإقصاء والقمع، فإن العناصر الخطابية التي تدعو إلى سياسات أكثر تقدمية  موجودة كذلك لاستخدامها.

الدعوة لحذف الدين من كونه شريك محتمل في الحركة الحقوقية في مصر يهدد بحصر الحقوق للنخبة فقط. في بلد مثل مصر، يمكن للحقوق أن تجذب الانتباه فقط إذا دعمتها حركة جماهيرية مبدئية، وهذا يعني أن أي حركة رئيسية لتعزيز الحقوق سوف تحتاج إلى ساق دينية لتقف عليها .