نشاط المحكمة الجنائية الدولية والآثار المحلية للإجرام العابر للحدو

يُسلّط القانون الجنائي الدولي الضوء على دور أفراد معينين وعلى الآليات القانونية والإدارية المحلية المسؤولة عن الجرائم الدولية. لكنه لا يعمل في عزلة، بل يتفاعل مع هيئات قانون محلية وإقليمية. وبالتالي، عندما تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق مع مسؤولين وهيئات في دولة ما، فإن القانون الداخلي في دول أخرى قد يؤثر على العلاقات مع الخاضعين للتحقيق (حتى قبل إقرار أي ملاحقات قضائية في بعض الحالات). وهناك معايير ينطوي عليها عامل القانون الإنساني والجنائي الدولي في التقييمات المستندة على القانون الداخلي للتعاون العسكري بين الدول وتجارة السلاح وقدرة الأفراد (أو الهيئات) على السفر وإدارة الأموال والأصول في الخارج.  

وهذا يعني أن الإجراءات التي تتخذها المحكمة الجنائية الدولية قد تؤدي إلى آثار طارئة تصل إلى ما هو أبعد من الملاحقات القضائية الجنائية الفردية. وتنجم مثل هذه الآثار عن الالتزامات القانونية الداخلية لدول أخرى باحترام  القانون الدولي والحفاظ على التساوق بين مواقفها في السياسة العامة ونظامها القانوني الداخلي.

فإن معاينة المحكمة الجنائية الدولية للوضع في فلسطين يعني أن دولاً خارجية وجهات خاصة قد بدأت تتنبه للمخاطر القانونية المترتبة على علاقاتها مع إسرائيل.

 وبالتالي، فإن معاينة المحكمة الجنائية الدولية للوضع في فلسطين يعني أن دولاً خارجية وجهات خاصة قد بدأت تتنبه للمخاطر القانونية المترتبة على علاقاتها مع إسرائيل، ويُرجَّح أن تصبح واعية بشدة لهذه المخاطر. وينشأ ذلك جزئياً عن "أثر تجسيد" القانون الجنائي الدولي: حقيقة أنه يلاحق أسماء وأفراد وهيئات خاصة من المتورطين بسلوك إجرامي. فعلى سبيل المثال، إذا قامت المحكمة الجنائية الدولية أو جهات أخرى بإبداء قلقها من أن مسؤولين عسكريين أو سياسيين إسرائيليين، أو هيئات خاصة كشركات إدارة الأراضي وتمليكها للمستوطنين متورطون بجرائم دولية، فقد تجد الدول الخارجية أن من الضروري أن تقوم بالحد من أنشطتهم وتحويلاتهم للأموال وسفرهم.

وكان الاتحاد الأوروبي قد اتخذ خطوات مماثلة بشأن ضم  روسيا غير الشرعي لشبه جزيرة القرم—مُظهراً أن المخاوف بشأن القانون الدولي والشرعية يمكن أن يكون لها آثار قانونية محلية. منهاعلى سبيل المثال، قرار مجلس الاتحاد الأوروبي بفرض قيود على السفر وتجميد الأصول لـ 150 شخصاً و37 هيئة—وهو قرار ساري المفعول في كافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ووفقاً للمجلس الأوروبي، فإن الأساس في هذه التدابير—المتبناة "بالتمشي الكامل مع مقتضيات قانون الاتحاد الأوروبي"—هو المسؤولية الفردية لهؤلاء الأشخاص، بمن فيهم المسؤولين السياسيين والعسكريين الروس الذين تم تعيينهم لتعزيز وإدامة الضم غير الشرعي و التحويل لمنطقة أوكرانية ذات سيادة.

وتستند التقييدات على أهداف السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، ولكنها تستند أيضاً على حاجة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لضمان الأمن الداخلي في منطقة شنغن من خلال منع دخول أفراد متورطين في جرائم جنائية منظمة. وبموجب قانون حدود شنغن، فإن الدول الأعضاء يُمكنها أن ترفض دخول أشخاص معينين إذا  صدر تحذير ضدهم لكونهم "يُشكّلون تهديداً على السياسة العامة والأمن الداخلي والصحة العامة، أو على العلاقات الدولية لأي من الدول الأعضاء."

وقرار آخر صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي، يعطي توجيهاً للدول الأعضاء بأن تردّ على الممارسات الروسية التي تزعزع استقرار أوكرانيا، بفرض حظر كامل على الأسلحة. إن الحظر الذي يلتزم  بـ مدونة قواعد السلوك للاتحاد الأوروبي بشأن تصدير الأسلحة، يتماشى أيضاً مع المعايير الدولية المنصوص عليها في معاهدة تجارة الأسلحة. وسيتم استخدام الحظر على نقل الأسلحة من أجل "تأكيد المطالبة الإقليمية بالقوة" عند وجود "خطر أسمى"، أو عند ارتكاب مخالفات جسيمة لاتفاقيات جنيف.

وتجدر الإشارة إلى أن العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على أوكرانيا وروسيا، تشمل تقييدات مماثلة على  السفر والتجارة، وتهدف أيضاً إلى "توجيه رسالة قوية للحكومة الروسية بأن هناك عواقب لممارساتها التي تهدد سيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية.


Demotix/Kate Nye (All rights reserved)

A protest against an Israeli arms supplier in Brighton, UK. The personification of criminality pursued by the ICC will force state institutions and private entities to reevaluate their relationships with Israel as allegations of crimes against humanity develop.


وفي حالة إسرائيل، فإن التحقيقات والملاحقات القضائية الدولية للأفراد لا تلوح في الأفق حتى الآن. ولكن، إن كان على المحكمة الجنائية الدولية أن تتخذ هذه الخطوات، فقد تكون هناك تداعيات إضافية لممارسات إسرائيل غير المشروعة دولياً وممارساتها الإجرامية المزعومة. ومثل هذه التحقيقات تعني أنه سيكون لدى دول خارجية—وبعضها تأخذ بعين الاعتبار منذ الآن آثار اعتداءات إسرائيل على نظامها القانوني الداخلي—حيز إضافي لتبنّي تدابير تقييدية من أجل استبعاد الإجرام الإسرائيلي المشبوه العابر للحدود من نطاقها المحلي.

وعلى المستوى المؤسساتي، على سبيل المثال، من الواضح أن بعض الدول الخارجية قد درست مبيعاتها للأسلحة وتعاونها العسكري مع إسرائيل، مقابل المخاطر المرتبطة بسجلّ الجيش الإسرائيلي السيئ بالامتثال للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. وعلى أثر الاعتداءات على غزة في صيف 2014، والتي أسمتها إسرائيل بعملية الحافة الواقية، قامت إسبانيا بحظر كافة صادرات السلاح إلى إسرائيل (وكانت قد باعت إسرائيل في عام 2013 أسلحة بقيمة 4.99 مليون يورو شملت صمامات قنابل يدوية ونظم بصرية وأسلحة أخرى)، وبدأت المملكة المتحدة بمراجعة مبيعاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية لإسرائيل (والتي بلغت 77 مليارات باوند ما بين يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران من عام 2014). وفي أغسطس/آب من عام 20144 وجدت إدارة المملكة المتحدة للأعمال والابتكار والمهارات (BIS) أن ما يصل إلى 12 رخصة تصدير نشطة لأسلحة بريطانية ربما استُخدمتفي الاعتداءات على غزة. وتم اتخاذ قرار بتعطيلها في حال استئناف الاعتداءات. وفي أوكتوبر/تشرين الأول، يبدو أنه قد تم استبعاد إسرائيل من تدريبات القوى الجوية متعددة الجنسيات في إيطاليا.

ومن جهتها، أطلقت إسرائيل سلسلة من التحقيقات حول اعتداءات 2014 على غزة، تهدف غالباً إلى قطع الطريق على تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية. وكجزء من محاولاتها للاستفادة من امتيازات دولة تحترم القانون، فإنها تصرّ على أن تحقيقاتها العسكرية بشأن المخالفات المزعومة تتماشى مع القانون الدولي.ولية.

غالباً ما يتم انتقاد التطبيق الانتقائي للقانون الدولي؛ ومع ذلك، فإن العلاقات الوثيقة بين القانون الدولي والنظام القانوني الداخلي للدول التي تمتثل للقانون والملتزمة بمشروع القانون الدولي، تقدّم فرصاً للتطبيق. وكما يؤكد جينس أولين بقوة، "المصلحة الذاتية هي مصدر الالتزام بالنظام الدولي، وليس نقيضها." وحتى مع عدم وجود ملاحقات قضائية، فمن المرجح أن الآثار القياسية المضاعفة المترتبة على معاينة المحكمة الجنائية الدولية الدقيقة للمخالفات الإسرائيلية من خلال عدسة "الإجرام الدولي" ستعزز عمليات التطبيق الداخلية القائمة والتي تتمحور حول الشرعية الدولية.