عقاب ماليزيا لشريكتين مثليتين يُسلّط الضوء على رفض منظمة التعاون الإسلامي لحقوق مجتمع الميم

يُعدّ العقاب البدني الذي أنزلته السلطات الماليزية مؤخرًا بامرأتين مثليتين دالّاً على مشكلة أكبر، هي الدور الداعم الذي تلعبه منظمة التعاون الإسلامي. ففي حين تستمر العديد من الدول – ومنها روسيا والصين – في شنّ حملة دولية ضدّ حقوق الإنسان الخاصة بمجتمع الميم (المثليون والمثليات ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية وأحرار الهوية الجنسية LGBTQ)، إلّا أنّ منظمة التعاون الإسلامي تتبوأ موقعها في طليعة هذه الحملة. هذه المنظمة المكونة من 57 دولة أغلبها بها أغلبيات مُسلمة، ومنها ماليزيا، تُعدّ أكبر تجمّع من الدول – وأعلى تلك التجمّعات صوتًا – يتحرّى رفض حماية حقوق الإنسان بناء على التوجه الجنسي والهويّة الجنسانية؛ إذ لا يقتصر الأمر على أنّ موقف تلك المُنظمة يُجرّئ على الممارسات التمييزية مثل تلك التي ارتكبتها ماليزيا، إنّما يؤدي موقفها أيضًا إلى تعريض حياة الآلاف للخطر، وهو موقف مناوئ للوعد القائم منذ سبعين عامًا بإتاحة حقوق الإنسان العالمية للجميع في كل مكان.

لقدّ وعد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – الصادر عام 1948 بأنه "يولد جميع الناس أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق". وضمنت مواثيق حقوق الإنسان الصادرة من بعده المساواة في الحماية من التمييز، لصالح الأفراد جميعًا، سواء على أساس من العرق أو الدين أو وضعيات "أخرى". ومع مرور الوقت، أدّى هذا إلى التمكين من مدّ مظلة الحماية من التمييز إلى وضعيات لم تكن موضع اعتراف فيما سبق، بما يشمل الحماية من التمييز بناء على السنّ والإعاقة. وبالبناء على هذه المبادئ التأسيسية، قررت الأمم المتحدة وهيئات مماثلة أخرى أنّ على الدول حماية الأفراد من مجتمع الميم من التمييز ومن العنف.

وبصفة شكلية، تُعدّ منظمة التعاون الإسلامي قابلة بمبدأ حماية حقوق الإنسان العالمية للجميع. إلا أنها – موضوعًا – ساقت مبررات عديدة للدفع بعدم مدّ هذه الحماية إلى التوجه الجنسي أو الهويّة الجنسانية. ففي عام 2012، عندما عقدت الأمم المتحدة اجتماعها الرسمي الأول حول هذه القضية، كان ردّ فعل مندوبي الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي هو الخروج غاضبين من قاعة الاجتماع. وكانت الحُجج التي قدّمتها المنظمة لتبرير هذا الرفض هي حُجج ثقافية ودينية، للدفع بعدم الاعتراف بالتوجهات الجنسية المُغايرة، في ظلّ الزعم الواهن بأن التوجّهات الجنسية "تقع خارج نطاق إطار عمل القانون الدولي لحقوق الإنسان".

ورغم أن دعاوى منظمة التعاون الإسلامي المنبثقة عن الإسلام تنبع من تفسير نافذ واحد فحسب للدين يعتبر المثلية الجنسية من المُحرّمات، فإن هذا الرأي تردّ عليه وتدحضه تفسيرات أخرى. ومن المُقلق بنفس الدرجة أن إشهار هذه الحُجّة الدينية في وجه التزامات حقوق الإنسان الدولية يخدم غرض إخفاء ما وصفته إليزابيث شاكمان هُرد في سياق آخر بأنه "الأصول الزينوفوبية للتمييز".

إنّ موقف منظمة التعاون الإسلامي ممّا تسمّيه بطريقة تحقيرية "ما يُدعى بـ" التوجّه الجنسي والهوية الجنسانية، هو موقف عام وشامل. ففي الأمم المتحدة تُطالب مسوّدات القرارات المُقدمة برعاية منظمة التعاون الإسلامي بفرض الحماية الدولية لصالح "الأسرة التقليدية". وفي هذه المبادرة مُخاطرة بإجازة الحماية الحكومية الانتقائية لبعض الأسر دون غيرها، مع القبول بالمعاملة التمييزية بحقّ أسر أخرى "غير تقليدية"، بما يشمل الأسرة القائمة بين أفراد من مجتمع الميم، والأسرة المكوّنة من أفراد من ديانات مختلفة، والأسرة غير القائمة على الزواج. إنّ إعلاء أولوية الأسرة على هذه الشاكلة يعني أيضًا المخاطرة بإزاحة الحقوق الشخصية، ومنها حقوق الشباب والنشء من مجتمع الميم داخل الأسرة.

كما طفت إلى السطح عدوانية منظمة التعاون الإسلامي تجاه المساواة لصالح مجتمع الميم في سياق قضية الصحّة العامّة؛ إذ رفضت الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي بندًا في الإعلان السياسي لعام 2016 حول الإيدز يقضي بالإقرار بفئات أساسية، منها الرجال الذين يقيمون علاقات جنسية مع رجال، ومتحولي الجنس، مع مُطالبة البند المذكور بتحسين إتاحة الخدمات الصحية لهذه الفئات. إنّ إعلاء أولوية الاختلافات الاجتماعية والثقافية والدينية على الأدلة العلمية المتصلة بعلم الأوبئة يعني حرمان الفئات الأكثر تضررًا من الإيدز من الحقوق، كما يُجيز ممارسات الدول المناوئة لحقوق الإنسان، بما يشمل التعامل مع المثلية الجنسية كمرض واللجوء إلى العلاج المنطوي على الإيذاء والعلاج بالإكراه، ومن أصنافه العلاج التحويلي.

ويُعدّ تجاهل أهمية الحياة جزءًا لا يتجزأ من حملة منظمة التعاون الإسلامي ضدّ مجتمع الميم. ولعل أبرز الأمثلة في هذا الصدد مُعارضة المنظمة القائمة منذ زمن طويل لجهود الأمم المتحدة الرامية إلى دعوة الدول إلى الاعتراف بأعمال القتل التي تستهدف أفراد مجتمع الميم تحديدًا والتصدّي لها. وبرفضها لهذا الالتزام، زعمت منظمة التعاون الإسلامي أن مطالبة الدول بالتنديد بقتل المثليين ومتحولي الجنس قد يؤدي إلى "تمييز إيجابي" ويخرق مبادئ عدم التمييز والمساواة. هذا المنطق المُختل يقلب حقوق الإنسان رأسًا على عقب لسببين. فهو أولًا يستند إلى مقارنة زائفة بين فئتين متمايزتين، أولاهما معروفة بكونها فئة مُعرضة للخطر والأخرى ليست كذلك. ثانيًا، فهو يدفع بأن عدم تحرّك الحكومة لمواجهة العنف الذي يستهدف فئة معروفة بعرضتها للخطر يمكن – بشكل ما – أن يؤدي إلى استيفاء التزام الدولة الأساسي بحماية الحياة البشرية.

وبعد مرور ستّ سنوات على مُناقشة الأمم المتحدة الأولى المُكرّسة للتوجه الجنسي والهويّة الجنسانية، تستمر الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي جميعًا – باستثناء ألبانيا – في حملة ممنهجة ضد حقوق مجتمع الميم. لقدّ حاولت منظمة التعاون الإسلامي إعاقة عملية تعيين خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بالتوجّه الجنسي والهويّة الجنسانية، ورفضت أي تعاون مع ولايته، واستخدمت هيئة حقوق الإنسان الدائمة المستقلة خاصتها في تشجيع المسلمين المقيمين في الغرب على التذرّع بحرية المعتقد الديني كسند لرفع قضايا ضدّ حقوق مجتمع الميم.

إنّ الردّ على الظلم الواقع في ماليزيا يتطلب الطعن – بشكل مُباشر وعلني – على اعتداء منظمة التعاون الإسلامي القائم على المعايير الدولية لحقوق الإنسان. فعلى الدول الداعمة لحقوق مجتمع الميم أن تبدأ هذه العملية عن طريق التأكيد على ولاية الخبير الأممي المستقل، ومن مقتضيات ولايته حصوله على دعوات مفتوحة بإجراء زيارات للدول وبرفع التقارير طوعًا إلى آليات الأمم المتحدة الحقوقية كافّة حول التطورات القانونية المتصلة بمجتمع الميم. ولابد من كشف سردية منظمة التعاون الإسلامي المناوئة – لا سيما تأكيدها على الحجج الدينية الشاملة ضدّ مجتمع الميم – عن طريق الحوار مع الدول الممتنعة أو المعارضة لجهود مدّ مظلة الحماية بالتساوي من التمييز إلى جميع الفئات. يجب أن يحدث هذا الحوار في سياق العلاقات الثنائية وفي المحافل متعددة الأطراف، مثل عملية أهداف التنمية المستدامة.

الأمر الأخير، ولعله الأكثر أهمية، هو ضرورة تشجيع ودعم الأصوات التقدّمية في منظمة التعاون الإسلامي وفي العالم الإسلامي أجمع، عن طريق التمويل وإتاحة مكانة أبرز لهذه الأصوات على طاولة الدبلوماسية العلنية. هؤلاء العلماء والنشطاء والقانونيون يمكن أن يُبصّروا المناقشات الداخلية في أروقة منظمة التعاون الإسلامي وأن يُحسّنوا من نتائجها. لكن الأهم، أن تمكينهم قد يُجسّد التنوع الحقيقي للإسلام وتنوع المسلمين كأفراد. هذا بدوره يُمكِن أن يمثّل ردًا فعالًا على سياسات ماليزيا وعلى تأكيد منظمة التعاون الإسلامي بأنها وحدها تمثل "الصوت الجامع للعالم الإسلامي".