الدين يوحي بطرق لا يوحي بها القانون الدولي

يجادل العديد من المساهمين في النقاش على الرابط openGlobalRights، بما فيهم الكاتبتان أشينج مورين أكينا وكارولين كامل، وبقوة بأنه يجب عدم الخلط بين الدين وحقوق الإنسان. تتفق هاتان الكاتبتان على وجه الخصوص على أن النهج المناسب الوحيد لتعزيز حقوق الإنسان هو النهج العلماني البحت. ولكن هذا الرأي يستند فقط إلى انتقاء أمثلة أصولية متصلبة لدعم وجهة نظرهما، مما يجعله مضللاً وضاراً بكل الخطاب المتعلق بالدين وحقوق الإنسان.

في مجتمعات أفريقية عديدة، تظهر حقوق الإنسان في أقوى صورها باعتبارها المعايير الدستورية والقانونية حيث معظم المواطنين العاديين على دراية مبهمة بها. ورغم أن القانون قد يردع بعض المخالفين المحتملين، فإنه ليس قادراً على الشرح أو الإيحاء بالسلوك الأخلاقي الذي يحترم حقوق الإنسان على أساس يومي. حتى القانون يعتبر أقل فعالية عندما تكون النظرة إليه باعتباره خطيئة أو غير أخلاقي أو مفروضاً من ثقافة غريبة. قد لا يكون الدين هو السبيل الوحيد إلى حقوق الإنسان و خطاب الأخلاقي أغنى في أفريقيا، ولكن في أي منطقة ذات مستوياتعالية من التدين، فمن المؤكد أنه مهم.

حجج أكينا وكامل، بأن حقوق الإنسان تتدهور عند خلطها بالدين، يدعمها جزئياً البيانات الميدانية، وقد أشارتا إلى بعضها في مقالاتهما. ومع ذلك، المشكلة مع هذا الموقف هي أن ذلك يعتمد على رؤية مختزلة للدين لا تصف في الواقع ما يبدو عليه الخطاب الديني المتعلق بحقوق الإنسان. ومن أجل المجادلة بأن الخطاب الديني ضار، اعتمدت كلا الكاتبتين على تعبيرات أصولية متصلبة باعتبارها التعبير الشرعي الوحيد للدين.

الادعاء بأن الدين لا يدعم حقوق الإنسان يتجاهل حقيقة أن تراث الحقوق الطبيعية نفسه نشأ من الأخلاق المسيحية والقانون الكنسي في القرن الثاني عشر. وقد تأثر الدستور الأمريكي بالأخلاق البروتستانتية بقدر ما تأثر بفلسفة التنوير. ولا يمكن للمرء أن يتصور حقوق الإنسان والنشاط الاجتماعي في أمريكا الجنوبية بدون لاهوت التحرير؛ أو سقوط الشيوعية بدون تأثير المجمع الفاتيكاني الثاني؛ أو حركة الحقوق المدنية الأمريكية بدون لاهوت التحرير الأسود أو أمة الإسلام. بقدر أمثلة الخطاب الديني المتعلق بحقوق الإنسان، فإن القائمة طويلة وتمتد من أمثالالنظرية النقدية للدين واللاهوت الغريب إلى الأيديولوجيات الراديكالية المحافظة التي وصفها أكينا وكامل. اختيار  الأكثر تطرفاً فقط من الطيف الديني هو انحياز غير مبرر على نحو مبالغ فيه.


Demotix/Sumaya Hisham (All rights reserved)

South African Bishop Emeritus Desmond Tutu has long served as an example of how religion can be an ally to the human rights cause.


على سبيل المثال، تجادل كامل بأن التمييز ضد الأقباط المصريين وتصرفات بعض الدعاة السلفيين الأصوليين كلاهما أدلة على أن خطاب حقوق الإنسان يجب أن يكون علمانياً. ومع ذلك، فإن الذي لم تشر إليه هو أن الأصوليين المصريين والدولة المصرية كلاهما اضطهدا أيضاً العلماء المسلمين مثل نصر حامد أبو زيد لحججه في دعم حقوق الإنسان على أساس ديني. لم تذكر كامل أيضاً حركة الوسطية في مصر أو حركة الشباب داخل  جماعة الإخوان المسلمين، وكلاهما حركتان تقدميتان سياسياً تماماً، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الأقليات، وحقوق المرأة، وحقوق الإنسان والديمقراطية بشكل عام. تشير أكينا أيضاً إلى أن الدولة الإثيوبية (إلى حد كبير نظامها ماركسي لينيني) تقمع بعنف احتجاجات المسلمين بدون ذكر أن هذه الاحتجاجات يقودها العلماء والأئمة الذين يدعون إلى العلمانية وحقوق الإنسان في إثيوبيا.

على الرغم من أن كل مثال يبين أن الدين معاد لحقوق الإنسان يمكن أن يقابله مثال مضاد، فإن وجهة نظري هي أنه عندما يتعلق الأمر بالدين والحقوق فلن تجد ببساطة إجابة واحدة صحيحة.

 التاريخ الأفريقي حافل بأمثلة عن دور الدين في إثارة الاشمئزاز الأخلاقي ضد انتهاكات حقوق الإنسان وحشد الملايين ضد أنظمة الحكم القمعية. على سبيل المثال، لعب مجلس جنوب أفريقيا للكنائس دوراً محورياً في حركة سحب الاستثمارات/العقوبات الدولية، وتعبئة الغضب الأخلاقي ضد الفصل العنصري باعتباره خطيئة وهرطقة، وتنظيم المسيرات والاحتجاجات. وفي غانا، الكنيسة الميثودية والمجلس المسيحي كانا في الطليعة ليس فقط  للاحتجاج على خطط التكيف الهيكلي المؤلمة، بل أيضاً لتحدي الشرعية الأخلاقية للدكتاتورية. وفي نيجيريا، لعبمجلس علماء الدين الإسلامي ونظرائهم المسيحيون دوراً  طليعياً في معارضة انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة الحكم الديكتاتوري. وقد لعبت منظمات دينية أخرى عديدة، مثل جمعية نصر الله الفاتح في نيجيريا، دوراً هاماً في منع العنف الطائفي. وعلى الرغم من الجدل السائد حول الدين والجنسية المثلية، فقد أصبح رئيس الأساقفة ديزموند توتو داعية لحقوق الجنسين ومتحولي الجنس على المستوى العالمي.

على الرغم من أن كل مثال يبين أن الدين معاد لحقوق الإنسان يمكن أن يقابله مثال مضاد، فإن وجهة نظري هي أنه عندما يتعلق الأمر بالدين والحقوق فلن تجد ببساطة إجابة واحدة صحيحة. على سبيل المثال، أيدت الكنيسة البروتستانتية الهولندية في جنوب أفريقيا في البداية الفصل العنصري على أساس لاهوتي، ثم "ندمت" وتراجعت وأعلنت أن الفصل العنصري خطيئة وإهانة لكرامة الإنسان. يجب أن نرى التنوع والفروق الدقيقة في هذا النقاش والتطور المستمر للهيئات الدينية لفهم ذلك بشكل صحيح.

وأخيراً، الادعاء بأن الرؤية الأصولية للدين هي التمثيل الشرعي للخطاب الديني ليس فقط مضللاً، بل هو أيضاً غير مسؤول. عرض وجهات نظر أصولية أو كارهة للمثليين يساعد فقط المتطرفين بنشر آرائهم ومنحهم قاعدة أكبر من الأنصار. ينبغي على أنصار حقوق الإنسان العلمانيين عدم التضخيم والدعم عن غير قصد لأولئك الذين يعملون على إقناع أتباعهم أن الله يريدنا أن نكره. لقد بدأ النشطاء الأفارقة، مثل رئيس الأساقفة ديزموند توتو وعبد الله النعيم، الذين استاءوا لأن إلههم قد تم استخدامه لتبرير المعاناة الإنسانية، في تفنيد هذه الروايات غير المتسامحة وتعزيز حقوق الإنسان في الخطابات المحلية. ينبغي علينا نحن، الذين لا نحتاج إلى الاستدلال الديني لدعم الحقوق، إما أن ندعم هؤلاء الزعماء من على بُعْد، أو نقف معهم جانباً حتى يتمكنوا من القيام بعملهم.