مبادئ حقوق الإنسان والمعاهدات والصحة النفسية: دراسة حالة من اليونان

/userfiles/image/Bull_Image-05%3D07-21.jpg

مؤخراً، في سبتمبر/أيلول 2020، عرضت المفوضية الأوروبية الميثاق الجديد حول الهجرة واللجوء، الذي طال انتظاره. ما كُنا نأمل أن يكون محوراً مركزياً لتغيير قواعد سياسات اللجوء – لا سيما لتخفيف العبء عن الدول التي يصل إليها اللاجئين من خارج أوروبا – نال استقبالاً مختلطاً. فبينما وفر الميثاق الجديد بعض المساحة للدول الأعضاء لكي تتشارك في "عبء" المهاجرين قسراً القادمين في أوقات الأزمة، فهو أيضاً ينطوي على خطر تعميق وترسيخ مواقف الأزمات المطولة. للأسف، يبدو أيضاً أن الميثاق يؤكد لمن يأملون في العثور على مأوى في أوروبا، أن الأجواء في الاتحاد الأوروبي ملبدة بالغيوم، ما يعني أنهم لن يجدوا يداً مُرحبة حينما يفدون، في أي وقت قريب.

عندما وفد مئات الآلاف من المهاجرين قسراً إلى شواطئ أوروبا في 2015، كانت اليونان تعاني من نقص الموارد المالية وخطط التقشف المفروضة عليها بعد الأزمة المالية. أصبحت الدولة بصدد تحدي استضافة هؤلاء الناس الذين يحميهم القانون الدولي رغم الأزمة، في حين انتقدت تقارير كثيرة ظروف استقبال المهاجرين ومراكز تحديد هوية الأفراد في اليونان، ما أصبح معروفاً بمسمى "أزمة صحة نفسية". على هذه الخلفية، أجرينا أولى بعثات تقصي الحقائق في اليونان في صيف 2019. منذ ذلك الحين، شددت الحكومة اليونانية من سياسة اللجوء الخاصة بها، فدشنت واحدة من أولى مبادراتها في صورة قانون جديد لتعجيل إجراءات اللجوء وتسريع وتيرة الإعادات.

يمكن للمهاجرين المضطرين لترك ديارهم أن يصبحوا عرضة لتجارب صادمة قبل الخروج من بلادهم وأثناء الرحلة، وربما كانوا مصابين بمشكلات صحة نفسية من قبل اللجوء أو تطورت أعراض المرض النفسي لدى وصولهم. في مواجهة ظروف استقبال صعبة، يمكن أن يؤدي هذا أيضاً إلى الإضرار بالصحة النفسية للمهاجرين. قال طالب لجوء شاب في ثيسالونيكي: "في ساموس الآن هناك نحو خمسة آلاف شخص يعيشون في مخيم مصمم لاستضافة 600 فقط. الحبس في حد ذاته يؤدي إلى مشاكل نفسية. لا يمكنني مقابلة الأخصائية النفسية لأن لديها الكثير من الناس لتعتني بهم".

تقييمات العرضة للخطر الملتبسة والثغرات في دعم الصحة النفسية

في محاولة لتحديد الأولويات، أعدت الحكومة اليونانية "تقييم العرضة للخطر"، تطبيقاً لتوجيهات إعادة هيكلة ظروف الاستقبال الصادرة عن الاتحاد الأوروبي. بموجب هذا النظام، تتم إحالة النساء الحوامل وطالبي اللجوء المصابين بإعاقات أو "اضطرابات نفسية" إلى الداخل اليوناني بعيداً عن الجزر، في انتظار قرارات طلبات اللجوء الخاصة بهم. من حيث الممارسة، فإن منشآت ومرافق "هيئة الصحة العامة الوطنية" التي تجري هذه التقييمات تعاني من قلة العاملين وتواجه أعداداً كبيرة من مقدمي الطلبات. في عام 2019، كان في المستشفى العام بجزيرة ليسبوس طبيبين نفسيين مؤهلين للتشخيص يمكنهما دعم عملية طلبات النقل للداخل. وفي ظل الميثاق الجديد، ستكون تقييمات الصحة والعرضة للخطر ضرورية وواجبة أثناء مرحلة الفحص قبل الدخول لجميع مواطني الدول الثالثة لدى الحدود الخارجية، دون استيفاء شروط الدخول أو بعد النزول على اليابسة في اليونان، إثر عمليات البحث والإنقاذ.

لكن تحديد من يعانون من ضغوط نفسية هائلة أصبحت عملية ملتبسة ومبهمة إلى حد ما على ضوء ظروف الاستقبال القائمة. في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أعربت مفوضة حقوق الإنسان بالمجلس الأوروبي عن قلقها إزاء "إجراءات تقييم العرضة للخطر"، وفي سبتمبر/أيلول 2019، طلبت لجنة حقوق المعاقين في الأمم المتحدة ضمان النقل الفوري لطالبي اللجوء من الجزر إلى الداخل اليوناني، ما إن يتم تحديد كونهم ضمن فئة المعرضين للخطر.

فضلاً عن المذكور، فإن حالة "العرضة للخطر" والنقل إلى الداخل اليوناني لا يعني بالضرورة تحسين حالة "الما بين" التي يعاني من مقدمي طلبات اللجوء المصابين بمشكلات صحة نفسية. لتيسير تخصيص مرافق الإقامة لطالبي اللجوء المعرضين للخطر، أعدت مفوضية شؤون اللاجئين والحكومة اليونانية برنامجاً سكنياً، لكن من يعانون من تجارب صعبة تؤدي للقلق النفسي يُمنعون من الوصول إلى هذه المرافق. ومن حيث الممارسة، فإن الشخص المشتبه بأنه مصاب بمشاكل "كبيرة"، مثل الذين يتم تشخيصهم بانفصام الشخصية أو من يعانون من أفكار انتحارية، يجدون أنفسهم مستبعدون دون سكن بديل لائق. هذه المعوقات التمييزية تجبر الشخص الذي يعاني من مشاكل نفسية إما على التشرد بلا مأوى، أو الإقامة في مستوطنات غير نظامية، أو الإقامة في مخيمات معزولة في الداخل اليوناني، حيث الوصول إلى دعم الصحة النفسية أمر صعب.

ولقد نفذت المنظمات غير الحكومية باقة عريضة من البرامج للتعامل مع أزمة الصحة النفسية في أوساط المهاجرين قسراً. لكن باستثناء قلة من المنشآت المتخصصة، فهناك عدة مبادرات تبذل جهوداً مضنية لتوفير المساعدة طويلة الأجل من قبل الأخصائيين والأطباء النفسيين. كما أن جميع العاملين بالصحة النفسية الذين قابلناهم، سواء من القطاع الحكومي أو في مبادرات المجتمع المدني، أفادوا بالمعاناة بدرجة كبيرة من قلة العاملين بالمجال، وعادة ما يضطرون لاختيار المهاجرين قسراً القادرين بالفعل على الوصول إلى خدماتهم.

رغم استحقاق طالبي اللجوء للدعم من المنشآت العامة، فإن المعوقات الإدارية العديدة القائمة في تحصيل بطاقات الضمان الاجتماعي تؤدي بهم فعلياً إلى الإقصاء من هذه الخدمات. ولقد أتاح "قانون الحماية الدولية" لعام 2019 "رقم [ضمان اجتماعي] مؤقت لإتاحة التأمين والرعاية الصحية لمواطني الدول الثالثة" ما ييسر من إبطال مفعول البطاقة المذكورة إذا تم رفض طلب اللجوء. ولدى الحصول على خدمات الصحة النفسية، أفاد المهاجرون قسراً أيضاً بالتعرض لسلوكيات سلبية من العاملين بالمجال الطبي أو بالتعرض لإجراءات قسرية في المستشفيات النفسية. وهناك قضية ضاغطة أخرى هي قلة المترجمين الفوريين ممن لديهم خبرة بمجال الصحة النفسية، ما يؤدي إلى أوقات انتظار أطول للوصول إلى الدعم مع إحساس طالبي اللجوء الساعين للعلاج بالإقصاء.

المطالبة بإصلاحات قائمة على الحقوق بمجال الصحة النفسية

تقدم لنا دراسة الحالة اليونانية عدة مجالات حيث يجب أن تلتزم الدولة بإعمال حقوق الإنسان فيما يخص الصحة النفسية، وهي النقاط التي يمكن أن يستعين بها الأشخاص المتضررين والممارسين في المجال لإحداث التغيير الإيجابي. ذكرت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أن الحق في الصحة "حق شامل لا يقتصر فحسب على توفير الرعاية في الوقت المناسب وبالقدر الكافي، إنما يمتد أيضاً إلى محددات الصحة الجيدة"، ما يشمل الإسكان وظروف العمل والظروف البيئية الصحية. من هذا المنطلق، فإن إخفاق اليونان في توفير الرعاية الصحية المناسبة للمهاجرين قسراً وظروف الاستقبال المتردية القائمة، تتناقض مع هذه الالتزامات.

كما أن تقرير مجلس أوروبا الصادر عام 2019 من لجنة مكافحة التعذيب أثار القلق حول "الازدحام المزمن" في عدة مؤسسات صحة نفسية. رصد التقرير "نقص حاد في العاملين واعتماد مفرط على العلاجات الدوائية النفسية" و"انتشار ممارسة الاستخدام المفرط و/أو غير المناسب للتقييد" وعدم كفاية الضمانات المتصلة بإجراءات الحجز الإجباري. ويشير التقرير إلى أن بعض ممارسات المستشفى النفسي المخصص للحجز ضد إرادة المريض "يمكن اعتباره بسهولة ممارسات لاإنسانية وحاطة بالكرامة".

إذا كان من الضروري دمج المهاجرين قسراً بشكل أفضل في منومة الصحة النفسية الحكومية على المدى الطويل، فلابد من المضي قدماً في هذا الأمر بكل حرص، إذ ينطوي على احتمالات ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتأثير سلباً على رفاه المهاجرين. ومع الإقرار بالضغوط الاقتصادية القائمة التي تؤثر على منظومة الصحة النفسية، يمكن للمدافعين عن حقوق الإنسان أن يذكروا الجميع بمبدأ "إعمال الحقوق تدريجياً"، الذي يفترض أن على الدولة الطرف في المعاهدة اتخاذ خطوات تدريجية بقدر المتوفر لديها من موارد، بحيث تُعمل الحقوق بالكامل لكن بشكل تدريجي.

يمكن لمبادئ حقوق الإنسان أن تتيح دليلاً مهماً للعاملين بالمجال الإنساني وممارسي الصحة النفسية، فيما يرتبط بتنفيذ البرامج، لا سيما الحق في مشاركة المرء في قرارات الصحة النفسية الخاصة به وحقه في أن يكون صاحب القرار فيها. لكن ضمان توفر وإمكانية الوصول إلى وجودة خدمات الرعاية الصحية، لا يزال مسؤولية الدولة بالأساس. وفي هذا الصدد، يمكن للمنظمات الإنسانية التي تعمل على جبهات الطوارئ والأزمات أن تجد نفسها في موضع تكتيكي يمكنها من توصيل صوتها المطالب بإعمال الحقوق. يمكن أن نعتبر برنامج "عقول مفتوحة" لمنظمة أطباء بلا حدود نموذج مهم: ففي تقريره الصادر عام 2018 أدان آثار التقشف على تعطيل إصلاحات منظومة الصحة النفسية، والقصور الحاد في تمويل المنشآت الطبية، مع توثيق تزايد الطلب على خدمات الصحة النفسية.


 

الصحة النفسية ليست أقل أهمية من الصحة البدنية. وإلحاقاً بهذا المقال، قررنا وضع قائمة بخدمات دعم الصحة النفسية في اليونان مُتاحة لمن يرغب بالاستفادة منها [وبيانات الاتصال وأسماء المؤسسات بالإنكليزية واليونانية للتمكين من التواصل معها]: 

 

  • مركز بابل في أثينا، وحدة الصحة النفسية، دعم نفسي-اجتماعي للمهاجرين - Babel Center Athens, Mental Health Unit, Psychosocial Support for Migrants

  • منظمة "إنقاذ النساء"، خط ساخن للمساعدة - WomenSOS (NGO), Βία Κατά Των Γυναικών, Helpline

  • وزارة الصحة اليونانية وجامعة كابودستريان في أثينا، خط ساخن لتقديم المساعدة النفسية-الاجتماعية - Greek Ministry of Health & National & Kapodistrian University of Athens (EKPA), Psychosocial Support Hotline  (Τηλεφωνική Γραμμή Ψυχοκοινωνικής Υποστήριξης 10306 για τον κορονοϊό)

  • برنامج مكافحة الوصم بمعهد الصحة النفسية بالجامعة البحثية، خط ساخن لمساعدة مرضى الاكتئاب - Anti-Stigma Programme of the Research University Institute of Mental Health (R.U.U.I.M.H.I.), Depression Helpline 

  • قائمة موارد لمساعدة اللاجئين والمهاجرين غير الحائزين على أوراق رسمية في اليونان (لا تقتصر على الصحة النفسية) 

https://www.infomigrants.net/en/post/23948/help-for-refugees-and-undocumented-migrants-in-greece