النساء والأمم المتحدة: تاريخ جديد لحقوق الإنسان الدولية الخاصة بالنساء

/userfiles/image/Adami_Image_09-10-21.jpg

ماذا لو كان الإطار القانوني الدولي لحقوق الإنسان قد تم تشكيله من قِبل نساء الجنوب العالمي اللاتي تم تجاهل آرائهن، واللاتي طالبن بعالمية حقوق الإنسان في مواجهة المصالح الاستعمارية والأبوية؟

في الكتاب المنشور مؤخراً بعنوان "النساء والأمم المتحدة" يسلط الباحثون من مختلف الحقول المعرفية والتخصصات الضوء مجدداً على بعض وثائق الأمم المتحدة المهمة التي أسهمت في تشكيل حقوق الإنسان في صيغة لغة عالمية للمساواة بين الجنسين وعدم التمييز. هذا التاريخ الجديد لحقوق الإنسان الدولية يُظهر كيف كانت حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين في القلب من وثائق الأمم المتحدة الأساسية، بفضل وفود نسائية من الجنوب العالمي. إذ كان الفضل في ضم المساواة الجندرية وعدم التمييز بناء على الجنس في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرجع إلى حد كبير إلى وفود نسائية من أمريكا اللاتينية ومن الهند. كما تم إسقاط اقتراح تقدمت به القوى الاستعمارية حينئذ بإضافة فقرة في الاتفاقيات والمواثيق الأساسية للأمم المتحدة بوضع استثناء لسريان حقوق الإنسان بالأراضي المحكومة ذاتياً، بفضل الوفود النسائية من الجنوب العالمي.

يتمثل إسهام مؤلفو الكتاب المُجمّع "النساء والأمم المتحدة" في فهم كيف أدت السردية التاريخية المهيمنة إلى تهميش دور النساء من الجنوب العالمي في قصة إرساء حقوق الإنسان الدولية منذ بدايات الأمم المتحدة، مع تجاهل مقدار تأثيرهن في وضع القواعد الدولية القائمة. لقد فعلن هذا مرات عديدة في مواجهة كل من النسويات الغربيات (اللائي قصرن حقوق المرأة على بعض القضايا والسياقات المحددة) والوفود المكونة من الرجال من بلدانهن ذاتها (وكانوا يتمتعون بامتيازات نظام مجحف لا ينطوي على المساواة)، وممثلي القوى الاستعمارية في ذلك الحين (الذين أرادوا وضع مادة لفرض استثناء استعماري في اتفاقيات حقوق الإنسان). 

في مرحلة اعتماد ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، قامت النسويات من أمريكا اللاتينية، بقيادة البرازيلية بيرثا لوتز، بالضغط لإضافة المادة 8 التي ضمنت قدرة النساء على تولي مناصب في هيئات الأمم المتحدة، فضلاً عن وضع فقرة تخص عدم التمييز بناء على الجنس في عدة مواد بالميثاق، مع ذكر المساواة بين الرجال والنساء في ديباجة الميثاق.

وبعد ثلاث سنوات، أثناء اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، قامت هانسا ميهتا التي ولدت في الهند – وكانت المرأة الوحيدة إلى جانب إليانور روزفلت في مفوضية حقوق الإنسان – بتغيير صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من "حقوق الرجل" إلى "حقوق الإنسان" وصياغة "جميع الرجال" إلى "الجميع" وإلى "جميع البشر". تلقت هانسا ميهتا الدعم من مفوضية وضع المرأة، التي تم تشكيلها بسبب ضغوط متصلة من عضوة وفد جمهورية الدومينيكان مينرفا بيرناردينو. وعندما وصل الإعلان العالمي إلى اللجنة الثالثة بالجمعية العامة في عام 1947، كانت شايستا إكرام الله الباكستانية من بين أخريات وقفن ضد رغبة الولايات المتحدة في عمل حذف بالمادة 16 حول حقوق الزواج، وطالبت بصياغة واضحة وصريحة تخص حق النساء في الزواج وفي إنهاء الزواج.

وفي الخمسينيات، انتقدت لاكشمي مينون وبيغوم شريفة – وكانتا من وفد الهند التي استقلت حديثاً – الإعلان العالمي لكونه يتسم بالتجريد. فيما بعد تمت ترجمة مواد الإعلان التي بدت وكأنها تأتي من برج عاجي، إلى "حقوق حقيقية" للنساء عبر أول معاهدة أممية ملزمة لحقوق الإنسان تخص الحق في الخصوصية، وهي اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج. وثمة اتفاقية مبكرة أخرى – من الخمسينيات – اختبرت عالمية المساواة الجندرية، و هي اتفاقية الحقوق السياسية للنساء.

الصورة: الأمم المتحدة. لاكشمي مينون من الهند تخاطب مجلس الأمن

وقامت عضوات وفود باكستان والعراق وإندونيسيا ومصر وغينيا وتوجو ونيجيريا وبيرو بالمحاججة في قضية لماذا يجب استثناء النساء في ظل الحكم الاستعماري من هذه الاتفاقيات المذكورة. على سبيل المثال أوضحت كل من ماريا سيفومي (توجو) وجايولا أدوكي مور (نيجيريا) وجين مارتن سيسيه (غينيا) أنه من غير العدل أن يستخدم ممثلو الأمم المتحدة الغربيون العادات والتقاليد لاستبعاد النساء من مختلف مناطق العالم وإقصائهن عن حقهن في التصويت ومن حقوقهن الاقتصادية. وأعلنت كل من عزيزة حسين (مصر) وأرتاتي مرزوقي (إندونيسيا) وكارميلا أغويلار (بيرو) أن الوفود الغربية بإشارتها إلى التقاليد القائمة بطرق متحيزة هي في حقيقة الأمر تعرقل عالمية حقوق الإنسان، وبأشكال لا تعترف بالتفسيرات الأكثر تقدمية للأديان التي منحت النساء الحقوق والحريات. وأثناء مناقشة عالمية اتفاقية الزواج، انتقدت جين مارتن سيسيه (غينيا) تمتع المندوبين الذكور الحاضرين للمناقشة من دول الجنوب بامتيازات نظم قانونية غير منصفة في حين يحرمون النساء من الدعم اللازم لتغيير التشريعات والتقاليد التمييزية، في معرض كلماتهم أمام الأمم المتحدة.

وكانت "خطة العمل العالمية" من سنة 1975 من النتائج الملموسة للمؤتمر العالمي الأول للأمم المتحدة المعني بالنساء. تناولت الخطة ظروف النساء الاجتماعية المختلفة من سياق إلى آخر، وكيف يجب أن تقوم النسوية بالتصدي للنظام العالمي غير العادل اقتصادياً. كانت خطة العمل التي خرجت مصحوبة بإعلان إضافي نتيجة لنقاش بناء وانتقادي بين الممثلات الغربيات والنساء ومن الجنوب العالمي في عام 1975، حين شاركت نساء مثل دوميتيلا باريوس دي شونغارا (بوليفيا) في وضع دور النساء في التنمية على الأجندة.

أما اتفاقية سيداو التي اعتُمدت في 1979 ووضعت الأساس للقانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان للنساء بصفتها جزء من القانون الدولي، فقد أعدتها في البداية ليتيتيا راموس شاهاني من الفلبين. جاءت ديباجة سيداو بإلهام من الإعلان السابق عليها، الذي وضعته آني جياغي من غانا، وكانت مقررة مفوضية وضع المرأة في ذلك التوقيت.

ولقد تم طرح أول قرار من مجلس الأمن بشأن النساء والسلم والأمن (قرار رقم 1325) للنقاش المفتوح أثناء تولي ناميبيا لرئاسة مجلس الأمن عام 2000. تم تحضير القرار من قبل عدة مندوبات من ناميبيا، وبرزت بينهن مونيكا نديليواكي ناشاندي، التي كافحت طويلاً أثناء النضال من أجل الحرية في ناميبيا. وكانت مندوبة ناميبيا النسائية في نيويورك، سيلغا نديابو أشيبالا-موسايي (نائبة المندوبية الدائمة لناميبيا) والسكرتيرة الأولى أينا إيامبو، هن من قدن مفاوضات المسودة الأولى.

يتصدى كتابنا الجماعي للحاجة المستمرة إلى الكشف عن مفهوم أكثر تعقيداً "للقدرة" على مستوى العلاقات الدولية، وهو المفهوم الذي يدافع عن عالمية حقوق الإنسان من منظورات أكثر تنوعاً. عندما يتم استخدام "حقوق الإنسان" في صياغات خطط وبرامج إعادة الهيكلة الاقتصادية والاتفاقيات التجارية من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، يبدو أنها تُستخدم ككلمة تحمي النظام العالمي النيوليبرالي، وتظهر الكلمة وكأنها استمرار لأنماط استعمارية من الظلم الاقتصادي على المستوى الدولي. إن الانتقادات الموجهة من قِبل الباحثين المعنيين بحقوق الإنسان تنزع إلى تعزيز الرأي القائل بأن حقوق الإنسان اختراع غربي وليبرالي، بما يدعم دون قصد رؤية استشراقية منقسمة بين "المتحضرين والبقية"، وهي رؤية غير دقيقة وخطرة.

إذن تهدف أبحاثنا إلى تغيير المنظور الذي يرى المساواة الجندرية أداة غربية تم تسويقها في الجنوب العالمي، إلى اعتبار الجنوب هو المُحرك الأول من البداية. لابد للمسرح العالمي للنسوية أن يسلط الضوء على نجماته الكثيرات والمهمات من الجنوب العالمي.