في إسرائيل، تجربة القتال العنيف تحفز الأنشطة الداعمة للسلام

عادة يتحول اليهود الإسرائيليون بسبب مشاركتهم في الخدمة القتالية لرفض مفاوضات السلام ومنظمات حقوق الإنسان، هذا موضوع دراسة رائعة من إعداد دفورا مانكين، جاي جروسمان، دان ميودونيك. وقد ترتب على  النتائج التي توصلوا إليها آثار هامة بالنسبة لأولئك الذين يسعون للتوصل إلى حل عادل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

لقد قام الباحثون بإجراء استطلاع رأي على عينة كبيرة من الجنود السابقين بخصوص مواقفهم تجاه فلسطين ومنظمات حقوق الإنسان العاملة في إسرائيل، وكذلك بخصوص الحل الوسط المتعلق بالأرض والتعويضات، وهي القضايا المحورية في عملية السلام. وقد تبين أن أولئك الذين شاركوا في قتال عنيف وجها لوجه كانوا أقل تأييداً لعملية حل الصراع، وأظهروا موقفاً أكثر عدوانية تجاه الفلسطينيين، وعارضوا منظمات حقوق الإنسان. وقد تمسك كثير من الجنود السابقين بهذه المواقف حتى بعد مرور سنوات.

لا يقوم المؤلفين بتقديم توصيات سياسية أو إستخلاص استنتاجات معيارية، ولكنهم يلحظون أنه "في السياق الإسرائيلي، تشير الدراسة إلى أن التجنيد الإلزامي له آثار سياسية بعيدة المدى لم يتم توثيقها أو فهمها بشكل جيد حتى الآن".

ومن الجدير أخذ الوقت الكافي للتفكير في الآثار المحتملة لنتائج هذه الدراسة.


Flickr/Israel Defense Forces (Some rights reserved)

Israeli soldiers rest and prepare for combat operations near the Gaza border.


يمكن أن نستنتج من أبسط الحقائق أن القتال العنيف وجهاً لوجه يمثل عقبة في طريق السلام. وينبغي بذل الجهود لمنع الجنود من تجربة القتال العنيف. ويجب أن تمتنع الدول عن إرسال الجنود إلى ميادين القتال العنيف.

ولكن قد يكون هذا الاستنتاج متسرعاً جداً. نظرة على مجموعة كاملة من البحوث حول الخدمة العسكرية الإسرائيلية وعلاقتها بحل الصراع تبين أن تجربة الجنود الإسرائيليين الذين يواجهون قتالاً عنيفاً هي مليئة بالتناقضات، وهي تكشف معضلات خطيرة.

على سبيل المثال، بحثي مع الإسرائيليين الذين يرفضون مواصلة الخدمة العسكرية يبين أن تجارب القتال العنيف،  بما في ذلك مشاهدة أعمال العنف ضد الفلسطينيين والمشاركة فيها، تؤدي إلى أن يصبح الكثيرون معارضين بسبب ضمائرهم. أي أنه، إذا لم يكونوا قد شاركوا في القتال وجهاً لوجه، فلن تكون ضمائرهم قد تعرضت أبداً لصدمة تدفعهم إلى التحرك والاعتراض. ولن يكونوا قد عانوا من السجن والأحكام العامة، وبدلاً من ذلك يستمرون في دعم الاحتلال وارتكاب أعمال العنف ضد الفلسطينيين.

كان جاي جروسمان نفسه، أحد القائمين بإعداد الدراسة، معارضاً بسبب ضميره، وتؤكد شهادته بشأن رفضه أن  تجارب القتال ساهمت في اتخاذ قراره.

لقد جذب رفض الجنود المقاتلين السابقين ونشاطهم فيما بعد، في منظمات مثل شجاعة الرفض وفيما بعد مقاتلون من أجل السلام، اهتماماً شعبياً ودولياً كبيراً تجاه الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، وتجاه السلوك الأخلاقي السئ للجنود المشاركين في ممارسات الاحتلال.

ولذلك، فمن ناحية يؤدي القتال وجهاً لوجه إلى رفض معظم الإسرائيليين لعملية السلام، ولكنه أيضاً عامل حاسم في دفع بعضهم إلى أن يصبحوا معارضين للاحتلال. وعلى الرغم من أن المجموعة الأخيرة هي أصغر بكثير، تعتبر أهميتها الشعبية أكبر بكثير.

أيضاً، تؤدي البحوث الجارية –على الدور المتزايد للتكنولوجيا في العمليات العسكرية وتأثيراتها الضارة على تعاطف الجنود– إلى تعقيد الآثار المترتبة على نتائج المقال. ونظراً لأن التكنولوجيا أصبحت أكثر تطوراً، فقد ترتب على ذلك انخفاض مستمر في ضرورة القتال وجهاً لوجه. وكان البديل هو نشر الطائرات بدون طيار والأقمار الصناعية، وشن الهجمات من مسافات تبلغ مئات أو حتى آلاف الأميال من خلال غرفة هادئة مملوءة بالشاشات، حيث بالكاد يمكن ملاحظة الآثار المترتبة على العنف.

في حين أن القتال قد يجعل الناس عدوانيين من الناحية السياسية، فإن إلغاء تجربة القتال وجهاً لوجه قد يجعل الناس غير مبالين لمعاناة الناس على الجانب الآخر من المواجهة.

 وقد أوضح الكثيرون أنه أصبح من المتعذر تمييز القتل الفعلي عن ألعاب الفيديو، وأشاروا إلى العواقب الأخلاقية الإشكالية لهذه التطورات. أساساً، عدم وجود ضرورة  لتجربة القتال وجهاً لوجه، وعدم وجود ضرورة للنظر في عيون ’العدو‘، يجعلان عملية القتل أسهل من الناحية الأخلاقية. وبالتالي، في حين أن القتال قد يجعل الناس عدوانيين من الناحية السياسية، فإن إلغاء تجربة القتال وجهاً لوجه قد يجعل الناس غير مبالين لمعاناة الناس على الجانب الآخر من المواجهة.

في النهاية، يتناول هذا المقال التأثيرات السياسية على المدى الطويل المترتبة على العنف بين الجنود الاسرائيليين والفلسطينيين. قد تبين النتائج أن تجارب العنف وجهاً لوجه يمكن أن تؤدي إلى ظهور مجتمع أكثر تشدداً. ولكن توجد مجموعة فرعية محددة من اليسار الإسرائيلي تقول أن هذه النتيجة قد تكون في الواقع مرغوبة من أجل آفاق السلام على المدى الطويل. تتساءل المناقشة الجارية في اليسار ما إذا كانت منظمات حقوق الإنسان في الواقع تضر أكثر مما تنفع. (غالباً ما تكون محادثة جارية داخل منظمات حقوق الإنسان، التي عادة ما يكون أعضاءها على علم تام بالمخاطر المحتملة والفعلية لنشاطهم).

وعلى الرغم من أن ذلك يبدو غير بديهي، يدعي البعض أن الجهود الرامية إلى إلغاء المواجهات الأشد عنفاً بين الجيش والفلسطينيين تساعد في الواقع على خلق ’احتلال أكثر إنسانية‘، مما يتيح للجيش الإسرائيلي والدولة الإسرائيلية زيادة تعزيز سيطرتهما على الأراضي الفلسطينية وسكانها. وعند منح الجيش سلطة مطلقة، فإن العنف الناتج يكون صدمة للضمير، مما يدفع الإسرائيليين والعالم إلى التحرك والاعتراض. ولذلك، في حين أن العنف الشديد قد يجعل الجنود أقل ميلاً إلى حل الصراع، فإن العنف البسيط قد يعزز الوضع الراهن للاحتلال.

عندما ننظر إلى نتائج المقال في سياق البحوث ذات الصلة والمناقشات الجارية في مجتمعات النشطاء، نجد تناقضاً يحيط بالآثار السياسية للعنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وبدون أدنى شك، فإن تجربة العنف الشديد هي قوة قهرية بالنسبة للجناة والضحايا والشهود على حد سواء. وما يمكننا أن نستنتجه هو أن ذلك أيضاً يعتبر نقطة استقطاب سياسي، تقنع البعض برفض مبادرات السلام والبعض الآخر بالقتال لإنجاح هذه المبادرات. وفي النهاية نحن نتساءل أي من هذه النتائج له تأثير أكبر.